أزمة السكر بين الدولة والفلاحين والمستوردين
جاء موعد التوريد هذا العام يحمل البؤس للفلاح المسكين الخاسر من جميع زراعاته وأعان الله هذا العام مزارعى البصل والطماطم والبطاطس بعد أن تحملوا ارتفاع أسعار السولار والكهرباء والغاز والأسمدة منتظرين ارتفاع أسعار منتجاتهم فإذا بها تهوى لسابع أرض وتجعل الخسارة مضاعفة وقادم فى الطريق ضم القمح فى ظل أزمة سولار فى الأرياف وارتفاع جديد لأسعار إيجار الجرارات والدراسات البلدية وتضاعف أجرة العمالة. المهم جاء موسم توريد القصب والبنجر فوجد المزارعون رفضاً من المصانع الحكومية والاستثمارية فى استلام المحصول، لأن مخازنهم مكدسة بإنتاج العام الماضى من السكر بكميات فاقت مليون وربع المليون طن رغم أننا دولة مستوردة للسكر بنحو 2 مليون طن سكر وبنسبة 32% من احتياجاتنا. السبب الرئيسى أن وزير التموين لم يعد يأخذ تعليماته من الدولة وأصبح يعطى أفضلية للسكر المستورد فى الصرف على بطاقات التموين وتجنيد المجمعات الاستهلاكية المملوكة للدولة لتصريف ما يتم استيراده وإغراق السوق منه بينما تقف المصانع الحكومية فى انتظار دورها للاختفاء والتدهور أسوة بمصانع النسيج والذهب والأدوات الصحية والأجهزة والأدوات الكهربية والنجف وغيرها والتى تفنن تجارنا الوطنيون فى القضاء على مصانع الدولة لصالح إنتاج الأجانب ولتدفع الدولة ثمناً باهظاً لا ينتهى بل ويتوج برعاية الوزير الحالى للتجار فقط، ولعل مأساة مضاعفة دعم الخبز رغم نقص وزن الرغيف 30% وتحديد نصيب الفرد منه بخمسة أرغفة كحد أقصى وتصريحات وزير التموين بأن منظومته للخبز ستؤدى إلى توفير 12 مليار جنيه من اعتمادات دعم الخبز وتقلل وارداتنا من القمح بحد أدنى 2 مليون طن، فإذا بها تؤدى إلى زيادة الدعم بنحو 12 ملياراً وزيادة وارداتنا من القمح 2 مليون طن، لأنها منظومة فاسدة موجهة لصالح الأفران والتجار فقط وتهدف إلى سلب الدعم كاملاً، ولعل التحقيقات التى تجريها أجهزة الدولة ستعلن قريباً عن منظومة الفساد وما شابها من تعمد لحرمان الفقراء من الدعم. وكما نقل الوزير دعم الرغيف للتجار قام أيضاً بتصريف سكر التجار فقط فى المجمعات وعلى بطاقات التموين ونسى مصانع الدولة التى استوزرته وصنعت له اسماً كان مجهولاً فكانت النتيجة تدمير واحدة من أقدم الصناعات الوطنية والتى بدأها عبود باشا مع طلعت حرب لمصانع النسيج فى المحلة وكفر الدوار، ولكن طالما تدهورت صناعات النسيج لصالح المستوردين والقميص أبوعشرة جنيه واختفاء اللينوة المصرى الفاخر فلماذا لا تتدهور أيضاً صناعة السكر ونقضى عليها ليصبح الشعب المصرى بلا غطاء يحميه مثلما حدث عام 2008 عندما وصل سعر السكر العالمى إلى 7 جنيهات للكيلوجرام وحافظت شركات السكر المصرية عليه للمستهلك المصرى عند 5.5 جنيه للكيلوجرام. بعد أن تعالت صرخات الفلاحين عبر وسائل الإعلام بشأن حقهم فى أن تتسلم الدولة محصولهم طبقاً للمادة 28 من الدستور التى تحتم على الدولة استلام جميع الحاصلات الاستراتيجية وبسعر مربح للفلاح، صدرت أوامر رئيس الوزراء إلى المصانع باستلام المحصول وفوراً وتدبير اجتماعات عاجلة لوزير التموين مع المصانع والفلاحين لحل مشكلة تصريف مخزون السكر، بينما وزير الزراعة مختف تماماً ولا يريد التدخل فى الأزمة ولا دعم الفلاحين. لم يكن أمام المصانع إلا تنفيذ قرار رئيس الوزراء باستلام المحصول ولكن بسداد جزء فقط من ثمنه، لأن المصانع ليس لديها رصيد نقدى بسبب بوار تجارتها نتيجة لتصرفات وزير التموين انتظاراً لتنفيذ وعد الدولة باستلام إنتاج السكر الراكد فى المخازن وسداد ثمنه للمصانع وبالتالى توفر السيولة اللازمة لسداد مستحقات الفلاحين لمحصولى القصب والبنجر. مرت أربعة أشهر والفلاحون ينتظرون باقى ثمن كدهم وتعبهم شهوراً وليالى ودوختهم على الكيماوى فى الأسواق السوداء وعلى السولار لإدارة ماكينات الرى أو تموين الجرارات للحصاد، ولا بارقة أمل تلوح فى الأفق، فالمصانع معها كل الحق فى موقفها ومخازنها مكدسة بالمحصول القديم ولا تجد مكاناً للمحصول الجديد ورئيس الوزراء ينتظر حدوث كارثة ليصل إلى اليقين بأن وزير التموين يدمر صناعة وطنية محترمة وأن المجمعات والبقالات التموينية التى أنشئت فى الأصل لتصريف إنتاج الدولة أصبحت مرتعاً لمنتجات المستوردين والتجار وأن دعمنا للفقراء والفلاحين وليس للأجانب والمستوردين. الأمر ينتظر تدخلاً جاداً من الدولة وقوة فى الشخط بعبارة «عيب واختشى».
■ مستشار وزير التموين الأسبق