قاعدة بريطانية فى نظام إقليمى عربى جديد
ولقد كان من المدهش أن يعلن أثناء حوار المنامة عن اتفاق بين مملكة البحرين وبريطانيا على إقامة قاعدة بريطانية فى البحرين بالمخالفة للنظام إلإقليمى العربى سواء القديم أو الجديد، وأن الاتفاق لم يكن على مستوى مجلس التعاون الخليجى ولا حلف الأطلسى، ولا جامعة الدول العربية.
انتشرت نغمة بين المفكرين والباحثين العرب ــ خاصة المصريين ــ التى تتنبأ بانهيار النظام الإقليمى العربى فى حين أكد وزير الخارجية المصرى سامح شكرى على رأيه بضرورة إيجاد نظام إقليمى عربى جديد بعيداً عن أسلوب المحاور الذى كان موجوداً على مدى العقود الأربعة الماضية. وقال شكرى، فى كلمته فى حوار المنامة عاصمة البحرين، إنه›«لا توجد فرص لإمكانية قيام حروب عالمية كبيرة، ولكن باتت معاييرٌ أخرى، مثل الديمقراطية والاعتمادِ المتبادل ومستوى النمو والقدرة على الابتكار، تحتل مكاناً متقدماً وتؤثر بشكلٍ واضح، ولو بدرجات متفاوتة، على قدرة أى دولة أو كيان أو لاعب على تحقيق مستوى أفضل من الاندماج على المستوى الدولى ضمن علاقات أكثر ندية›».
بينما أشار الدكتور نبيل العربى فى مجال آخر فى كلمة له ألقاها نيابة عنه السفير سمير القصير مساعد الأمين العام لشئون الأمن القومى - إن ما يحدث من تطورات فى المنطقة العربية يشير بوضوح إلى مخاطر جسيمة تهدف إلى ضرب «الدولة الوطنية» من الداخل لتقسيمها على أسس مجتمعية وعرقية ودينية ومذهبية. وأضاف أن هذه التطورات تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار ووأد التعايش فى الدول الوطنية، وتفجير حروب أهلية وانتشار الميليشيات الإرهابية المسلحة والإساءة لصورة العرب والمسلمين والإسلام كدين، وتعزيز وجود صورة نمطية سلبية عنهم فى العالم لمنع أى تعاطف مع قضاياهم. وطالب العربى فى كلمته بإيجاد نظام أمن عربى جماعى أو تعاون فعال يتيح لدول المنطقة التحكم فى مصيرها وتسوية أى نزاعات فى إطار جامعة الدول العربية.
وأكد شكرى أهمية تحقيق التنمية المستدامة فى المنطقة، مشيراً إلى أنه لا يوجدُ بديلٌ استراتيجى لاستئناف مفاوضات السلام الفلسطينية ــ الإسرائيلية فى ظِل ‹›تكلفة الفراغِ›› الناشئ عن جمودها وتراجع الأمل فى تحقيقها لنتائجَ ملموسة وأهمية توظيف المبادرة العربية للسلام، واستعادة الدعم الدولى لأسس المفاوضات ودفعِها من خلال مجلس الأمن لتأكيد أنه لا سبيل للالتفاف حول هذه الأسس من خلال فرض حلولٍ أحادية أو مواجهات غير مجدية. كما شدد على أهمية العمل تدريجياً على إرساء علاقات جوارٍ صحية تتسمُ بالتكافؤ والندية بين دول منطقة الشرق الأوسط وكذلك تشجيع الحوارات القائمة على الاحترام المتبادلِ بين الأديان والمذاهب والطوائف وتعزيز قيم العيش السلمى المشترك التى باتت ضرورةً مُلحة فى مواجهة أفكار الإقصاء والاغتراب داخل المجتمعات. وإذا كان شكرى والعربى قد اتفقا على ضرورة نظام إقليمى عربى جديد، فإنهما لم يوضحا ملامح هذا النظام العملية والتطبيقية من وجهة نظرهما، وليس المبادئ الحاكمة فيها، خاصة أن ما جاء بأحاديثهما يوحى باحتمال تدخل فى الشئون الداخلية للدول. كما لم يوضح علاقة هذا النظام الجديد بالنظام العالمى سواء الحالى أو المستقبل إذا كان قد توقعه، وما إذا كان النظام الإقليمى الجديد عربياً خالصاً، أم أنه يضم أطرافاً عربية وأخرى غير عربية، وعلاقته بالدول الكبرى وبالقوى العظمى.
وتتمثل الإشكالية الرئيسية التى تواجه العالم العربى اليوم بـ: إيجاد صيغة لنوع من السيادة القومية الجماعية فى بعض المجالات من دون التفريط بجوهر السيادة الوطنية لكل دولة عربية. إذ يبدو أنّ الأمر يتعلق بضرورة إعطاء الجامعة «أى رأى غالبية الدول» سلطة «فوق وطنية» مقابل تنازل الدول الأعضاء عن جزء من سيادتها، كما أنّ تحولاً سلوكياً فى اتجاه التوافق بين الدول الأعضاء على الحلول الوسط يبدو ضرورياً أيضاً. وعليه فإنّ تجديد وإحياء دور النظام الإقليمى العربى يتطلب تعامله بنجاح مع عدة تحديات: «1»- المصالحة الفكرية بين الوطنى والقومي، أو بين منطق الدولة ومنطق الأمة، كما أنه من المطلوب أيضاً تطبيع مفهوم الانتماء إلى الأمة العربية فى الفكر الوطنى. «2»- المصالحة السياسية، من خلال إطلاق حوار سياسى عربى «ممأسس» ومبرمج يضم فعاليات حكومية وغير حكومية، بغية إعادة صياغة العلاقات العربية - العربية على قواعد ثابتة وواضحة ومستقرة. «3»- تجديد البناء المؤسسى وتكييفه مع التحديات السياسية والوظيفية الجديدة ليستطيع التعامل معها.
ولقد كان من المدهش أن يعلن أثناء حوار المنامة عن اتفاق بين مملكة البحرين وبريطانيا على إقامة قاعدة بريطانية فى البحرين بالمخالفة للنظام إلإقليمى العربى سواء القديم أو الجديد، وأن الاتفاق لم يكن على مستوى مجلس التعاون الخليجى ولا حلف الأطلسى، ولا جامعة الدول العربية.
ويثور السؤال عما يمكن للقاعدة البريطانية فى البحرين أن تقدمه ولا تستطيع الدول العربية تقديمه، مع تذكر أن هناك قاعدة للأسطول الخامس الأمريكى فى البحرين.
■ خبير سياسى واستراتيجى