إسماعيل.. الخديوى المظلوم
حسناً فعلت الحكومة المصرية بإطلاقها اسم «محمد على باشا» مؤسس الأسرة العلوية التى حكمت مصر منذ عام 1805 وحتى قيام ثورة يوليو من عام 1952 على ميدان المؤسسة بشبرا الخيمة، وأقامت تمثالاً له فى الميدان الذى يقع على مقربة من قصره الذى يطُلُّ على النيل.. لما قدمه هذا الرجل العظيم من خدمات جليلة لمصر، لدرجة دفعت البعض إلى أن يطلق عليه لقب «بانى مصر الحديثة».. وفى المقابل، فإن حفيده الخديو «إسماعيل» تعرض لحملة تشويه على يد الكاتبة الكويتية «هبة مشارى» التى حولته فى المسلسل الذى قامت بتألفيه و يحمل اسم «سرايا عابدين» – حتى اسم المسلسل يحمل مغالطة تاريخية من حيث الشكل حيث إن الصحيح هو سراى عابدين وليس السرايا – إلى مسخ، كل همه النساء والجوارى، متجاهلة تاريخ هذا «الخديو العظيم» الذى ظلم حياً وميتاً.. فما قصة إسماعيل؟.
فإسماعيل هو خامس حكام الأسرة العلوية التى أسسها محمد على باشا فى عام 1805 – سبقها فى حكم مصر محمد على باشا، ثم ابنه إبراهيم ثم عباس بن طوسون بن محمد على ثم سعيد بن محمد على - وولد إسماعيل فى عام 1830 لإبراهيم بن محمد على باشا، وكان ترتيبه الثانى بين الأبناء الذكور حيث كان يسبقه أخوه الأمير أحمد الذى توفى فجأة، وتلقى إسماعيل تعليماً جيداً بمعايير هذه الفترة، حيث كان جده محمد على قد أنشأ لأولاده وأحفاده مدرسة خاصة فى قصره واستقطب لها نخبة متميزة من المعلمين.. وتلقى إسماعيل فى هذه المدرسة مبادئ العلوم وأصول اللغات العربية والفارسية والتركية، وعندما بلغ سن السادسة عشرة من عمره بعث به جده مع عدد من شباب مصر إلى باريس حيث نهلوا من المعارف الفرنسية الكثير وخاصة فى مجالى الطبيعة والرياضيات.
ولما عادت هذه البعثة من باريس كان عباس باشا – ابن عمه طوسون – والياً على مصر وكانت علاقاتهما طيبة إلا أن الخلاف وقع بينهما، وتدخل السلطان العثماني - آنذاك - ونجح فى فض الخلاف ولكن إسماعيل استقر به المقام فى الأستانة عاصمة الدولة العثمانية إلى حين..
وفى عام 1854 توفى عباس الأول وتولى سعيد باشا – عم الخديو إسماعيل – حكم مصر وكلف إسماعيل برئاسة مجلس الأحكام الذى بذل إسماعيل جهداً خرافياً فى تطويره بصورة لافتة للانتباه.
ولكن سعيد باشا توفى فى عام 1863 فانتقل حكم مصر إلى إسماعيل باشا.. وبدأ الحكم فى عهد إسماعيل فتياً وحصل إسماعيل لأول مرة على لقب «الخديو».. وأصبحت حكم مصر وراثياً فى نسله.. ولكن الأمور بدأت تأخذ بعداً آخر بعد أن اتجه إسماعيل إلى الاقتراض من الدول الأجنبية للإنفاق على المشروعات الجديدة – وإن كان الاتجاه إلى الدين قد بدأ فى عهد سلفه سعيد باشا - وتراكمت الديون فى عهده لدرجة أنه اضطر – أى إسماعيل – إلى التنازل عن أملاكه الخاصة وأملاك عائلته للحكومة بعد أن بلغ العجز فى موازنة الدولة فى عام 1878 نحو مليون ومائتى ألف جنيه.
وكان الخديو إسماعيل يسير أعمال الحكومة المصرية باستثناء خزانة الدولة التى كان يراقبها الأجانب.. واتجه إسماعيل إلى تشكيل مجلس للنظار – الوزراء – برئاسة نوبار باشا مع تعيين وزيرين أجنبيين أحدهما إنجليزى وهو «ولسون» للمالية والآخر فرنسى وهو «بليينر» للأشغال العمومية، وكان أول قرار لمجلس لمجلس النظار هو تخفيض رواتب أفراد الجيش.. ولكن نحو 400 من ضباط الجيش توجهوا إلى نظارة المالية واحتجوا بشدة على تخفيض رواتبهم وكادت أن تتفجر «ثورة عسكرية» ولكن الخديو إسماعيل حضر إليهم ووعدهم بإعادة رواتبهم إلى سابق عهدها فانصرفوا فى هدوء.. وتلا هذه الواقعة استقالة «نوبار باشا» و «رياض باشا» خوفاً من تبعات المسئولية التى ألقيت على عاتقيهما.. فكلف إسماعيل ابنه «توفيق» برئاسة المجلس، ولكن فى 7 أبريل من عام 1879 اتخذ الخديو إسماعيل قراراً بإبعاد الوزيرين الأجنبيين عن المجلس وكلف «شريف باشا» برئاسته واعتبرت كل من إنجلترا وفرنسا إبعاد وزيرهما بمثابة إهانة لهما.. وكثفت الدولتان جهودهما لدى السلطان العثمانى لعزل الخديو إسماعيل.. وفى 26 يونيو من عام 1879 أقال السلطان العثمانى الخديو إسماعيل وعين بدلاً منه ابنه «توفيق باشا».
وقبل مغادرته القاهرة إلى الإسكندرية التى سافر منها إلى أوروبا، أوصى ابنه توفيق على مصر وأهلها خيراً بقوله: «لقد اقتضت إرادة سلطاننا المعظم أن تكون يا أعز البنين خديو مصر.. فأوصيك بإخوتك وسائر الآل براً وأعلم أنى مسافر وبودى لو استطعت قبل ذلك أن أزيل بعض المصاعب التى أخاف أن توجب لك الإرتباك.. على أنى واثق بحزمك وعزمك فاتبع رأى ذوى شوراك وكن أسعد حالاً من أبيك».
واهتم الخديو إسماعيل بتنظيم المدن المصرية والتى كان يرغب فى أن تماثل شوارع باريس، واهتم بالبريد المصرى وطور نظام المطابع مما ساهم فى نهضة نشر الكتب وازدهرت الصحافة وبرزت صحف الأهرام وروضة المدارس واليعسوب ونزهة الأفكار، كما اهتم بالعلم وأنشئت فى عهده المدارس وكان يحتفى بالعلماء والطلاب المتميزين، كما امتدت خطوط السكك الحديدية فى عهده إلى مختلف مناطق مصر لأن مصر وقت أن تولى حكمها لم يكن بها سوى خط حديدى واحد، كما أنشأ مدينة الإسماعيلية على قناة السويس - التى افتتحت فى عهده كأهم قناة ملاحية من وقتها وحتى الآن - وهى المدينة التى حملت اسمه وأنشأ بها المنارات والقصور والحدائق، كما ألغيت فى عهده تجارة الرقيق .. كما فتح إسماعيل الباب واسعاً أمام حركة التجارة الخارجية بما وفره من وسائل الطمأنينة والرخاء.
ومن الأعمال المهمة التى حدثت فى عهده وتجُبَّ وحدها أخطاءه.. مساهمته فى حل لغز منابع النيل – شريان حياة المصريين - التى حيرت العالم منذ فجر التاريخ.
ومن الإنصاف أن نقول وبقلب مستريح إنه لولا جهود محمد على والى مصر فى الفترة فيما بين 1805 و1848، وكذلك حفيده الخديو إسماعيل لم تم اكتشاف منابع النيل، حيث أرسل محمد على الحملات لكشف منابع النيل بدءاً من عام 1820، حتى الرحلات التى نظمتها الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية ما كانت لتحقق أهدافها وتنجح فى فك «لغز منابع النيل» لولا تعاون الحكومة المصرية فى السودان معها، مع نهاية حكم محمد على توقفت تماماً جهود مصر لكشف منابع النيل، حيث لم يهتم عباس الأول بهذه المسألة، كما أن خليفته فى الحكم محمد سعيد باشا لم يهتم بهذا الموضوع.
ولكن الخديو إسماعيل أراد أن يستكمل مسيرة جده محمد على فى كشف منابع النيل، قد نجح فى هذا الأمر نجاحاً باهراً.
وكانت منابع النيل سراً أو لغزاً حاول الجميع وعلى مر العصور فك طلاسمه، لكن القدر كان يؤجل لحظة إعلان هذا السر الذى ساهم فى إخفائه عدة أسباب لعل من أهمها:
1- الجنادل والمستنقعات التى وقفت حائلاً أمام حركة الملاحة من الشمال إلى الجنوب حيث توجد منابع النيل.
2- ارتفاع درجات الحرارة وكثرة الأمطار فى المناطق الاستوائية التى تقع بها المنابع.
3- انتشار الأوبئة والأمراض.
ووقفت هذه الأسباب أمام كل محاولات اكتشاف منابع النيل.. وهى للمفارقة نفس الأسباب التى أدت إلى تأخر معرفة العالم الخارجى بأفريقيا جنوب الصحراء، حيث كانت معرفة العالم تقتصر على أفريقيا الشمالية والتى يطلق عليها كذلك اسم «أفريقيا البيضاء».
وعندما حانت الساعة المحددة لكشف أسرار «منابع النيل»، فكت هذه الأسرار على أيدى مجموعة من الرحالة الذين يمكن أن نطلق عليهم لقب «العظماء» لدورهم المهم فى اكتشاف السر الذى حير الكثيرين وهو: من أين ينبع النيل؟! .. وبجهود محمد على وحفيده الخديو إسماعيل بالطبع .. وهؤلاء العظماء هم:
1- جيمس بروس:
هو أسكتلندى حصل فى عام 1768 على تصريح من الحكومة البريطانية لكى يبدأ رحلته إلى أفريقيا للبحث عن منابع النيل، حيث كان بروس يعمل قنصلاً لبريطانيا فى الجزائر، توجه إلى الإسكندرية قادماً من الجزائر وأثناء وجوده فى مصر حصل على خطابات توصية من عدد من أصحاب النفوذ المصريين إلى الشخصيات المهمة فى سواحل البحر الأحمر.
ثم اتجه بروس بعد ذلك إلى قنا ثم إلى القصير على البحر الأحمر قاصداً جدة ومنها اتجه إلى مصوع – مدينة فى إريتريا الحالية – ومنها اتجه إلى أكسيوم عاصمة إثيوبيا القديمة ومن العاصمة الإثيوبية ذهب إلى جندار، ساعدته معرفته فى الطب من التقرب إلى إمبراطور الحبشة الذى كان يعانى المرض فأعطاه حرية التجول فى أنحاء الحبشة.
وفى صيف 1770 زار «بروس» النيل الأزرق وتتبع سيره من مخرجه من بحيرة تانا إلى ملتقى النيلين – الأزرق والأبيض -.
وقبل أن يغادر بروس الحبشة – إثيوبيا الحالية – قضى عدة شهور فى إعداد دراسة عن شعب الحبشة وعن تاريخه، ذلك عن طريق جمع مجموعة قيمة من الوثائق الأمهرية، مجموعة من النباتات الحبشية.
وفى عام 1772 غادر بروس الحبشة ومنها إلى إمبراطورية «الفونج» ومنها إلى القاهرة ثم إلى إيطاليا ومنها إلى بريطانيا.
وعلى الرغم من أهمية ما قام به «بروس» واستقبال ملك بريطانيا «جورج الثالث» له وتسلمه للخرائط التى رسمها لمنابع النيل، إلا أنه لم يحظ بأى اعتراف رسمى، اعتبروا رحلته إلى منابع النيل لاتعدو إلا قصصاً نسجها بروس من خياله، أنكرت الجمعيات العلمية اكتشافه منابع النيل.
وقد توفى بروس بعد أن سقط على إحدى درجات سلم منزله، حيث خرج لتوديع أحد ضيوفه، عندما عاد صاعداً سلم منزله ليودع ضيفاً آخر سقط من أعلى السلم على رأسه، ليفارق الحياة بعدها بساعتين فقط، قد بلغ عمره وقت رحيله 64 عاماً.
2- سليم قبطان:
رحلات سليم قبطان الكشفية كانت نتيجة لمخاوف المصريين المستمرة منذ عهد الفراعنة من سيطرة دولة أجنبية على منابع النيل، منذ فجر التاريخ بداية من مصر الفرعونية مروراً بالعصور التاريخية المختلفة حاول المصريون السيطرة على منابع النيل، مع تربع محمد على باشا على عرش مصر حاول السيطرة على منابع النيل، ذلك من خلال السيطرة على السودان لوقوعه على مجرى نهر النيل، فى عام 1820 قرر محمد على البدء فى غزو السودان، بالفعل نجح فى السيطرة عليه.
وفى عام 1838 قرر محمد على القيام برحلة إلى السودان وكان عمره فى هذا الوقت يقترب من السبعين عاماً، كان من أهداف هذه الرحلة أن يتمكن من إعلان اكتشاف منابع النيل، لكنه لم يتمكن من تحقيق هذا الأمر.
وعلى الرغم من أن محمد على لم يتمكن من إعلان اكتشاف منابع النيل فى السودان عام 1838 إلا أن «سليم قبطان» ضابط البحرية المصرى بدأ رحلاته الكشفية للبحث عن منابع النيل بتكليف من محمد على، استمرت رحلاته فى الفترة من 1839 إلى 1842.
وتأتى أهمية ما قام به المصرى «سليم قبطان» من أنه أنهى الخطأ الذى أشاعه «جيمس بروس» من أن النيل ينبع من المنابع الحبشية فقط، حيث تمكن قبطان من الوصول إلى النيل الأبيض الذى يخرج من المنابع الاستوائية.
ووصل سليم قبطان فى رحلاته الثلاث إلى قرب مدينة «غندوكرو»، قد سجل قبطان ملاحظاته عن هذه الحملات فى التقارير التى بعث بها إلى الحكومة المصرية حينها واشتملت هذه التقارير على معلومات مهمة عن النيل الأبيض والقبائل التى تعيش على ضفتيه.
وكانت هذه الحملات التى قادها قبطان المقدمة التى أدت إلى اكتشاف منابع النيل الاستوائية.
3- بيرتون وسبيك:
فى منبع النيل وبالقرب من المساقط يوجد عمود من صوان رمادى اللون يحمل لوحاً مكتوباً عليه: «وجد سبيك منبع النيل».. ولكن كيف نجح سبيك فى الوصول إلى منبع النيل ؟!
قصة اكتشاف المنابع الاستوائية تتلخص فى عدة نقاط بدأت باللقاء بين ريتشارد بيرتون وجون هاننج سبيك فى لندن، حيث كانا يعملان فى الجيش البريطانى فى الهند واتفقا سوياً على القيام برحلة إلى شرق أفريقيا والتوغل منها إلى الداخل.
وفى نهاية عام 1856 سافرا إلى جزيرة زنجبار ومنها اتجها إلى الساحل الشرقى لأفريقيا عن طريق البحر ووصلا إلى بلدة «تابورا» على الساحل حيث قابلا بعض التجار العرب وتعرفوا منهم على الكثير من أسرار المناطق الداخلية المجاورة لساحل شرق أفريقيا والتى كان العرب يعرفونها قبل الأوروبيين.
وبعد ذلك تابعا سيرهما حتى وصلا إلى بحيرة «تنجانيقا»، تخلف «بيرتون» عن صاحبه بسبب عدم استطاعته مواصلة السفر، فى حين أن «سبيك» تابع سيره بإتجاه الشمال ووصل فى أغسطس من عام 1858 إلى الشاطئ الجنوبى للبحيرة التى أطلق عليها اسم «بحيرة فيكتوريا»، بالتالى نجح «سبيك» فى إكتشاف أهم نقطة فى المنابع الإستوائية وفك بذلك لغز منابع النيل.
وعاد سبيك لزميله ورجعا إلى ساحل شرق أفريقيا ومنه اتجها إلى زنجبار، ثم ابحرا باتجاه عدن ثم إلى بريطانيا.
وحدث خلاف علمى بينهما فسبيك أصر على أن بحيرة «فيكتوريا» هى منابع النيل، بينما أكد بيرتون أن بحيرة «تنجانيقا» التى وصلا إليها سوياً هى الأصل.
وفى سبتمبر من عام 1860 رتبت الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية لمناظرة بين كل من سبيك وبيرتون ليعرض كل منهما الأدلة والحجج التى تدعم موقفه حول الخلاف على أصل «منابع النيل»، لكن سبيك نفسه فارق الحياة قبل عقد هذه المناظرة بسبب رصاصة أطلقها خطأ من بندقيته.
واستمر الجدل حول منابع النيل بعد موت سبيك، فقد تمسك بيرتون بنظريته حتى تم تدميرها بواسطة ستانلى كما سيبدو لاحقاً.
4- جون بتريك:
ولد فى ويلز ببريطانيا، كان أحد الذين خدموا الحكومة المصرية فى عهد محمد على باشا، ترك خدمة الحكومة المصرية فيما بعد وعمل بالتجارة فى السودان، عينته الحكومة البريطانية قنصلاً عاماً لها فى وسط أفريقيا، قام بتريك برحلات فى كل من كردفان ودارفور فيما بين عامى 1853 و1854 حتى وصل إلى منطقة بحر الغزال، نشر ملاحظاته عن المناطق التى زارها فى كتاب نشر فى لندن عام 1861 بعنوان «مصر والسودان وأفريقيا الوسطى».
5- جيمس جرانت:
أرسلته الجمعية الجغرافية البريطانية فى عام 1860 برفقة سبيك قبل أن يلقى حتفه، لتتبع نهر النيل عند خروجه من بحيرة فيكتوريا، سارا بمحاذاة ساحلها الغربى، أقاما فى بلاد ملك أوغندا وتجولا حول ساحل البحيرة الشمالى وشاهدا شلالات «ريبون».
6- صمويل بيكر:
كان بيكر ينتمى إلى أسرة إنجليزية يعرف عنها الثراء ولكنها كان متعلقاً بالترحال، جاء إلى مصر فى عهد واليها سعيد باشا ومنها سافر إلى السودان وبمساعدة موظفى الحكومة المصرية هناك تمكن من تتبع روافد النيل الحبشية، جال فى البلاد الواقعة على نهر العطبرة والنيل الأزرق وكذلك النيل الأبيض، سجل ملاحظاته ومشاهداته فى كتاب من تأليفه.
ونجح بيكر فى هذه الرحلة فى الوصول إلى البحيرة الأخرى التى ينبع منها النيل وأسماها ببحيرة «ألبرت» زوج ملكة بريطانيا «فيكتوريا»، ذلك فى 14 مارس من عام 1864.. وحينها قال بيكر قولته المشهورة «لقد ظفرت إنجلترا بمنابع النيل».
وخلال نفس الرحلة تابع بيكر سيره حتى وصل إلى الشلال الضخم الذى أسماه «شلال «مارشيزون» نسبة إلى رئيس الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية، بعدها عاد بيكر وزوجته إلى بريطانيا بعد أن استكمل اكتشاف منابع النيل وتم منحه الميدالية الذهبية من الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية تقديراً لجهوده.
7- شاى لونج:
وإليه يرجع الفضل فى اكتشاف بحيرة «كيوجا» فى شتاء عام 1874، حيث كان الكولونيل شاى لونج عضو البعثة الحربية الأمريكية فى الجيش المصرى، كان صديقاً للجنرال البريطانى «جوردون» الذى كلفه بعدد من الرحلات الكشفية وفى إحداها اكتشف بحيرة كيوجا.
8 – تشارلز جوردون:
وهو بريطانى رشحته الحكومة البريطانية للخديو إسماعيل ليقود حملات مصر الكشفية فى منابع النيل، بالفعل وصل جوردون إلى القاهرة فى 6 فبراير من عام 1874 ومنها انتقل إلى المديرية الاستوائية.
وبدأ جوردون رحلاته الكشفية لحساب الحكومة المصرية ووصل إلى شلالات «مكدى» والتى وصفها بقوله «رأيت عندها ماء النيل يفور ويتلوى فى دوامات شتى لمسافة ميلين على الأقل وبصورة لا يقوى المرء على تأملها».
كما نجح جوردون فى رسم خريطة للمجرى المائى لنيل فيكتوريا.
9- محمد أمين باشا:
هو يهودى ألمانى كان يدعى «إدوارد شتينر» أعلن إسلامه وتمصر وأصبح اسمه «محمد أمين باشا»، نجح أمين باشا فى اكتشاف نهر «السمليكى».
وكانت نهاية حياة أمين باشا مأساوية فبعد إعلانه العمل مع ألمانيا، وصل إلى منطقة البحيرات الاستوائية فى محاولة لتجنيد بعض جنوده السابقين للعمل فى خدمة الحكومة الألمانية وذلك فى يوليو من عام 1891، لكنه لم يوفق فى ذلك إذ أخبره الجنود أنهم يعتبرون أنفسهم من رعايا الحكومة المصرية ولا يستطيعون خدمة غيرها، فى أثناء عودته قبض عليه بعض الأهالى وأعدموه فى أكتوبر من عام 1892 وكان عمره آنذاك إثنين وخمسين عاماً.
10 – هنرى ستانلى:
بريطانى المولد أمريكى الهوى، كان يعمل محرراً صحفياً بصحيفة «النيو يورك هيرالد» الأمريكية، بعد إختفاء المستكشف البريطانى «ديفيد ليفنجستون» بالقرب من بحيرة تنجانيقا، ترددت شائعات تفيد بوفاته كلفته إدارة الصحيفة بالذهاب إلى أفريقيا للبحث عن «ليفنجستون».
وقد بدأ ستانلى رحلته بالذهاب إلى جزيرة زنجبار فى شرق أفريقيا ثم اتجه إلى الداخل وعثر على «ليفنجستون»، خلال الفترة التى قضاها «ستانلى» مع «ليفنجستون» عقدا العزم على التأكد من صحة ما قاله «بيرتون» و «سبيك» حول منابع نهر النيل، بالفعل تحرك الاثنان فى قارب وتوجها إلى النهاية العليا لبحيرة تنجانيقا، هناك ثبت لهما أن برتون كان مخطئاً حين قال إن نهر «الروسيزى» يتدفق نحو الجنوب فى البحيرة.
وقد عاد «ليفنجستون» إلى نهر «لولابا» لاستكمال اكتشاف منابع النيل، فى حين توجه «ستانلى» إلى إنجلترا حاملاً معه تقارير «ليفنجستون» عن منطقة نهر «لولابا».
ولكن القدر لم يمكن «ليفنجستون» من استكمال بحثه عن منابع النيل حيث غيبه الموت فى 1مايو من عام 1873، تم نقل جثمانه إلى إنجلترا، وفى 18 أبريل من عام 1874 تم دفنه فى «وست منستر» بلندن.
ومن المعروف أن ستانلى اعتمد فى هذه الرحلة على عدد من رجال القوافل العربية لإرشاده على كيفية السير فى منطقة المنابع الاستوائية.
.. ورويداً رويداً بدأ لغز النيل ينكشف ولكن وجدت بعض التساؤلات التى نجح ستانلى فى حلها، فبعد أن ترك ليفنجستون قبل وفاتها وصل إلى إنجلترا ومنحته الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية الميدالية الذهبية، على الرغم من ذلك فإن هناك من شكك فى رحلة «ستانلى» إلى منابع النيل، لكنه فى نوفمبر من عام 1874 اتجه إلى أفريقيا ليرد عليهم وليستكمل ما بدأه، ذلك على رأس بعثة كبيرة، قد نجح ستانلى فى الوصول إلى «بحيرة فيكتوريا» على الرغم من وفاة أغلب بعثته بسبب الأمراض والحروب مع القبائل، تابع المسير إلى شلالات «ريبون» والمنطقة التى يحكمها ميتسا – كمبالا عاصمة أوغندا الآن - اكتشف ستانلى أن بحيرة فيكتوريا يوجد منفذ رئيسى لها عند شلالات ريبون، منفذ أخر داخلى هو نهر كاجيرا.
وبنهاية بعثة «ستانلى» فى عام 1877 لم يعد هناك شك فى أن نهر النيل ينبع من «بحيرة فيكتوريا» ويتدفق صوب الشمال ثم يأخذ طريقة بعد ذلك إلى البحر الأبيض المتوسط، كما أن نهر «لولابا» لم يتصل بنهر الكونغو الذى يستمر فى جريانه عبر القارة الأفريقية حتى المحيط الأطلنطى.
11- جوزيف تومسون:
شاب إسكتلندى جاء ليستكمل الرتوش الأخيرة فى كشف منابع النيل، فى عام 1879 قام تومسون وهو فى سن الواحدة والعشرين من عمره بكشف المنطقة الواقعة بين بحيرتى نياسا وتنجانيقا، وصل إلى جبال «كليمنجارو» واستمر فى السير حتى وصل إلى بحيرة فيكتوريا.
.. أما فيما يتعلق بالخديو إسماعيل بعد رحيله من مصر.. فقد توفى فى الأستانة – اسطنبول – فى 6 مارس من عام 1895 عن عمر يناهز 65 عاماً.. فحمل جثمانه إلى القاهرة التىدفن بها.. وقالوا عنه «إنه كان ممتلئ الجسم قوى البنية.. عظيم الهيبة جليل المقام».
رحم الله «خديو مصر» العظيم إسماعيل.. الذى ظلم حياً وميتاً !!