رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ما تجربوش مصر».. تفاصيل أخطر 10 أيام فى العلاقات بين القاهرة وتل أبيب

معبر رفح
معبر رفح

توتر كبير تشهده العلاقات بين مصر وإسرائيل، لأول مرة منذ نحو ٤٥ عامًا، بسبب اقتحام الجيش الإسرائيلى مدينة رفح الفلسطينية، وسيطرته على الجانب الفلسطينى من معبر رفح البرى.

وتصاعدت حدة الخلافات بين القاهرة وتل أبيب، مع تعمد الأخيرة التهرب من أى مفاوضات لوقف إطلاق النار فى غزة، وعرقلتها أى جهود فى هذا الإطار، ومحاولات تصدير المزاعم الكاذبة حول أن مصر تعطل دخول المساعدات إلى قطاع غزة.

واتخذت مصر موقفًا واضحًا منذ اللحظات الأولى للحرب الإسرائيلية فى غزة، التى اندلعت منذ أكثر من ٧ أشهر، وهو الموقف الذى زادت قوته وحدته فور دخول الجيش الإسرائيلى منطقة شرق رفح الفلسطينية.

التحذير من «حافة الهاوية» بعد دخول شرق رفح الفلسطينية

تصاعدت الأزمة بإعلان الجيش الإسرائيلى عن دخول شرق مدينة رفح الفلسطينية، بدعوى توجيه ضربات محددة لعدد من كتائب حركة «حماس» الفلسطينية، لكنه بعد بضع ساعات أعلن عن سيطرة القوات على الجانب الفلسطينى من معبر رفح، الذى يعد شريان الحياة الوحيد للفلسطينيين، وإغلاقه يعتبر خطوة جديدة لإحكام الحصار على أكثر من ٢ مليون فلسطينى مدنى أعزل.

وفى ذلك الوقت، اتخذت مصر موقفًا بإدانة العمليات العسكرية الإسرائيلية فى رفح الفلسطينية، وما أسفرت عنه من سيطرة إسرائيلية على الجانب الفلسطينى من معبر رفح، وذلك فى بيان لوزارة الخارجية.

واعتبرت مصر أن هذا التصعيد الخطير يهدد حياة أكثر من مليون فلسطينى يعتمدون اعتمادًا أساسيًا على هذا المعبر، باعتباره شريان الحياة الرئيسى لقطاع غزة، والمنفذ الآمن لخروج الجرحى والمرضى لتلقى العلاج، ولدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الأشقاء الفلسطينيين فى غزة.

ودعت مصر الجانب الإسرائيلى إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والابتعاد عن سياسة حافة الهاوية ذات التأثير بعيد المدى، التى من شأنها أن تهدد مصير الجهود المضنية المبذولة للتوصل إلى هدنة مستدامة داخل قطاع غزة، مطالبة جميع الأطراف الدولية المؤثرة بالتدخل وممارسة الضغوط اللازمة لنزع فتيل الأزمة الراهنة، وإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية لتحقق نتائجها المرجوة.

على الجانب الإسرائيلى، حاول بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، وحلفاؤه فى الحكومة من اليمين المتطرف، ترويج أن السيطرة على معبر رفح داخل غزة ضربة قاسية لـ«حماس» فى الداخل، فى محاولة للرد على اتهامهم بإحكام الحصار على أكثر من ٢ مليون فلسطينى، نزحوا أكثر من مرة داخل قطاع غزة.

وروجت إسرائيل لادعاءات حول أنها لا تنوى تنفيذ أى خطوة لتهجير الفلسطينيين خارج أرضهم، وهى جميعها مزاعم لا تنطلى على أحد، خاصة على الأوساط المختلفة فى مصر، التى عملت طوال الأشهر الماضية على محاولة احتواء ذلك التصعيد.

وفى ظل عدم إدراك تل أبيب مدى خطورة أن ينفد صبر القاهرة، حذرت مصر مرارًا وتكرارًا من الانتهاكات التى تتعمد جميع الأوساط الإسرائيلية ارتكابها، سواء كانت عسكريًا وسياسيًا أو أمنيًا، وجاءت التحذيرات بشكل مباشر، وكذلك تم تمريرها عبر الوسطاء أو أصدقاء إسرائيل، مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا.

التلويح بتجميد اتفاقية السلام حال عدم إيقاف «عملية رفح»

أكدت القاهرة عبر القنوات الرسمية وغيرها أن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل تعد خيارًا استراتيجيًا، لكن ما تفعله تل أبيب وتيار اليمين المتطرف لديها من انتهاكات واضحة، يضع هذه الاتفاقية فى مرمى الخطر، بعد أن صمدت لنحو ٤٥ عامًا.

وبالفعل، هددت مصر بتجميد اتفاقية السلام مع إسرائيل، حال لم توقف الأخيرة عملياتها العسكرية داخل رفح الفلسطينية، وتتخلى عن سيطرتها على الجانب الفلسطينى من المعبر.

وكشفت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، بعد ٣ أيام من عملية رفح، عن أن مصر طالبت الإدارة الأمريكية بممارسة ضغوط على إسرائيل، لدفعها إلى إنهاء عمليتها فى رفح، والعودة إلى المفاوضات بجدية، وإلا فسيتم العمل على إلغاء اتفاقيات «كامب ديفيد».

ما كشفته «معاريف» كان بعد ساعات قليلة من اتصال أجراه أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، مع نظيره المصرى سامح شكرى، فى محاولة لاحتواء الغضب المصرى تجاه إسرائيل.

وحذر «شكرى» نظيره الأمريكى، فى الاتصال سالف الذكر، من مخاطر العمليات العسكرية الإسرائيلية فى رفح الفلسطينية، وما ستسفر عنه من عواقب أمنية تطال أمن واستقرار المنطقة، الأمر الذى اتفق معه «بلينكن»، مع تشديد الجانبين على الرفض القاطع للتهجير القسرى للفلسطينيين خارج أرضهم.

ولم تكن إسرائيل تتخيل أن العلاقات مع مصر يمكن أن تصل لأدنى نقطة خلال تلك المرحلة، ودفعت جدية التهديدات المصرية مسئولين فى تل أبيب إلى إجراء اتصالات مع نظرائهم المصريين، فى محاولة لفهم مدى طبيعة المطالب التى تنادى علنًا بتجميد اتفاقية السلام.

وكانت المحددات المصرية واضحة بأن اتباع إسرائيل «سياسة حافة الهاوية» لن يجدى نفعًا، لكنها تضع المنطقة جميعها فى خطر لن تتحمله، مع حتمية وقف العمليات العسكرية فى رفح، والانسحاب من المعبر، وأن تكون إدارته خاضعة للجانب الفلسطينى فقط. لكن الجانب الإسرائيلى حاول المراوغة مجددًا، من خلال طرح سيناريوهات تشركه فى إدارة المعبر، وهو أمر غير قابل للتنفيذ من جانب مصر.

رفض التنسيق فى إدارة معبر رفح.. ودراسة «سحب السفير»

لم يتوقف الأمر على الردود المتبادلة بين مصر وإسرائيل علنًا، لكن اتخذت القاهرة مواقف أكثر حدة، وهو ما أكده مسئولون مصريون، فى تصريحات لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، قالوا فيها إن القاهرة «تدرس بجدية تخفيض العلاقات مع إسرائيل، واتخاذ خطوة لسحب السفراء، فى ظل الانتهاكات الإسرائيلية المتزايدة».

وأثارت تلك الخطوة مخاوف أكبر لدى أوساط بعينها فى إسرائيل، خاصة فى ظل الانقسام الواضح بين المستويين الأمنى والسياسى هناك حول مستقبل غزة، ووجود إسرائيل هناك بعد انتهاء الحرب.

وتعانى الحكومة الإسرائيلية، حاليًا، من شلل فى استراتيجيتها، كون المستوى السياسى بقيادة «نتنياهو» لم يقدم أى صيغة واضحة لإنهاء الحرب حتى الآن، وهو أمر أدى لتفاقم الأزمة فى العلاقات مع مصر.

وكشفت تقديرات فى إسرائيل عن أن تحرك مصر على خط دعم المواجهات القضائية فى المحافل الدولية، وتجميد اتفاقية السلام، وسحب السفراء، سيمثل كابوسًا لإسرائيل فى المستقبل.

ورأت تلك التقديرات أن ما يحدث الآن يعد انتكاسة كبيرة ومؤسفة فى العلاقات الإسرائيلية المصرية، وأن تدهورها يؤثر على جوانب حيوية لتل أبيب فى المنطقة مستقبلًا، وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.

الصدمة الإسرائيلية من مواقف مصر الحادة والمتتالية، التى تعد باكورة التحركات ولن تتوقف عند ذلك الحد، دفعت إلى إرسال وفد أمنى إسرائيلى، على رأسه قيادات من جهاز الأمن العام «الشاباك»، إلى القاهرة، فى محاولة لتهدئة التوترات بين الجانبين، والعودة لمسار «تدفئة العلاقات» مرة أخرى. ووصل الوفد الإسرائيلى إلى القاهرة، الخميس الماضى، وحاول احتواء الغضب المصرى تجاه السلوك الإسرائيلى، وطرح سيناريوهات لحل أزمة العملية العسكرية المصرية فى رفح الفلسطينية، وإشكالية إغلاق معبر رفح.

ووجد الوفد الإسرائيلى أن موقف القاهرة راسخ ولا رجعة فيه، فمعبر رفح لن يعمل تحت سيطرة إسرائيل، ولن تتم المساومة بفتح المعبر لعبور الأفراد مقابل إعادة فتح معبر «كرم أبوسالم» لعبور عدد كبير من شاحنات المساعدات الإنسانية. واصطدم الوفد الأمنى الإسرائيلى بموقف القاهرة الصلب، وتصميم مصر فى موقفها على ضرورة وقف تل أبيب عمليتها العسكرية فى مدينة رفح الفلسطينية، وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلى من محيط معبر رفح، وتسليم إدارته لكيان فلسطينى، ومن ثم لا تعاون بين القاهرة وتل أبيب فى إدارة المعبر تحت أى بند يمكن صياغته.

وكشفت وكالة «رويترز» البريطانية، نقلًا عن مصادر، عن أن مصر رفضت مقترحًا إسرائيليًا طرحه وفد «الشاباك» حول التنسيق مع إسرائيل بشأن إدارة معبر رفح مستقبلًا.

وقالت المصادر للوكالة: «الاقتراح الإسرائيلى يتضمن آلية لكيفية إدارة المعبر بعد الانسحاب الإسرائيلى، لكن مصر تصر على أن المعبر يجب أن تديره سلطات فلسطينية فقط».