رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اتساع الخلاف.. إحباط إسرائيلى بعد وقف شحنة الأسلحة والذخائر الأمريكية إلى تل أبيب

 شحنة الأسلحة
شحنة الأسلحة

شهدت الساعات الماضية حالة جدل واسعة النطاق بعد قرار واشنطن تجميد شحنة أسلحة أمريكية إلى إسرائيل، فى أعقاب سيطرة جيش الاحتلال على معبر رفح الحدودى من الجانب الفلسطينى، وتصريحات الرئيس الأمريكى، جو بايدن، التى هدد فيها إسرائيل بالمزيد من تجميد صفقات الأسلحة إذا ما نفذت أى عملية برية واسعة النطاق فى مدينة رفح، ما أشعل الغضب لدى مسئولى حكومة الاحتلال، وأدى لتبادل التهديدات مع الإدارة الأمريكية.

وقال الرئيس الأمريكى جو بايدن، أمس الأول، وللمرة الأولى، إنه سيوقف شحنات الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل، إذا أمر رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، بغزو كبير لمدينة رفح.

وأضاف «بايدن»، لشبكة CNN الأمريكية فى مقابلة حصرية مع برنامج «إيرين بيرنيت أوتفرونت»: «المدنيون قد قتلوا فى غزة نتيجة لتلك القنابل والطرق الأخرى التى ينتهجونها ضد مراكز السكان»، مشيرًا إلى القنابل البالغة الوزن ٢٠٠٠ رطل التى أوقف شحنها الأسبوع الماضى.

وتابع: «لقد أوضحت لـ(نتنياهو) وحكومة الحرب أنهم لن يحصلوا على دعمنا، إذا هاجموا هذه المراكز السكانية فى رفح».

وأوضحت CNN أن إعلان «بايدن» عن استعداده لربط الأسلحة الأمريكية بتصرفات إسرائيل هو بمثابة «نقطة تحول» فى الحرب المستمرة منذ أكثر من ٧ أشهر، كما كان اعترافه بأن القنابل الأمريكية قد استخدمت لقتل المدنيين فى غزة بمثابة اعتراف صارخ بدور الولايات المتحدة فى الحرب.

وأشارت إلى أن الرئيس الأمريكى تعرض لضغوط غير عادية، بمن فى ذلك من أعضاء حزبه، للحد من شحنات الأسلحة، وأنه وسط الأزمة الإنسانية فى غزة، وحتى الآن، قاوم تلك الدعوات، ودعم بقوة العدوان الإسرائيلى، لكن مع ذلك، يبدو أن غزو رفح قد غيّر من حساباته، ودفع الولايات المتحدة لإيقاف شحنة من «الذخائر عالية الحمولة»، وفقًا لوزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، رغم أنها قالت إنه لم يتم اتخاذ قرار نهائى بشأن تلك الشحنة.

وتابعت الشبكة الأمريكية قائلة إن ربط «بايدن» العلنى لشحنات الأسلحة الأمريكية بسلوك إسرائيل قد يؤدى إلى توسيع الخلاف بينه وبين «نتنياهو»، الذى تحدث معه عبر الهاتف يوم الإثنين الماضى، وجاءت تلك المحادثة فى الوقت الذى أمرت فيه إسرائيل بإجلاء عشرات الآلاف من المدنيين من رفح، وشنت ضربات بالقرب من المناطق الحدودية بالمدينة.

وقال «بايدن»: «وجود إسرائيل فى رفح على الحدود مع مصر ليس بالأمر الجيد، إذ عملت مصر بجد مع الإدارة الأمريكية للتأكد من أن الولايات المتحدة تساعد فى الأمر، كما أن التوغل فى المدن السكنية أمر مرفوض».

وفى الإطار نفسه، كشف مسئولون فى الإدارة الأمريكية عن نية البيت الأبيض إيقاف المزيد من شحنات الأسلحة التى تُرسل إلى إسرائيل، إذا ما استمر الاحتلال فى عدوانه الغاشم على مدينة رفح. 

وأشارت صحيفة «الجارديان» البريطانية إلى أن وزير الدفاع الأمريكى، لويد أوستن، كشف عن المخططات الأمريكية خلال جلسة استماع له فى الكونجرس مساء الأربعاء الماضى.

وقال «أوستن» إن إدارة «بايدن» أوقفت مؤقتًا توريد آلاف القنابل الكبيرة إلى إسرائيل، فى معارضة لتحركات واضحة من جانب الإسرائيليين لغزو رفح، مضيفًا: «كنا واضحين للغاية منذ البداية، أنه لا ينبغى لإسرائيل أن تشن هجومًا كبيرًا على رفح دون حساب وحماية المدنيين الموجودين فى ساحة المعركة تلك».

وتابع: «مرة أخرى، أثناء قيامنا بتقييم الوضع، أوقفنا مؤقتًا شحنة واحدة من الذخائر ذات الحمولة العالية»، مضيفًا: «لم نتخذ قرارًا نهائيًا بشأن كيفية المضى قدمًا فى تلك الشحنة».

وفى رد على القرار الأمريكى، قال جلعاد إردان، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، إنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة ستتوقف عن توريد الأسلحة إلى إسرائيل، لكنه وصف قرار واشنطن بوقف بعض شحنات الأسلحة بأنه «مخيب للآمال للغاية، ومحبط».

وأضافت «الجارديان» أن القرار الأمريكى أثار رد فعل، سريعًا وغاضبًا، من الجمهوريين فى الكونجرس، بينما حظى القرار بدعم الديمقراطيين التقدميين، بما فى ذلك السيناتور كريس فان هولين، الذى قال: «يجب أن نستخدم الأدوات المتاحة لنا لتنفيذ أهداف الرئيس وسياسة الولايات المتحدة».

وأضاف: «يجب أن تكون الشراكة طريقًا ذا اتجاهين، وليس شيكًا على بياض فى اتجاه واحد».

وأشار عدد من المسئولين الأمريكيين، وفقًا لـ«الجارديان»، إلى أن التوقف عن إرسال الأسلحة لن يكون الأخير، وأنه إذا استمر الهجوم الإسرائيلى على رفح فقد تتأخر شحنات الأسلحة الأخرى التى تمت الموافقة عليها بالفعل، وقد تواجه الشحنات التى تنتظر الموافقة أيضًا عقبات، مثل شحنة معلقة تبلغ ٦٥٠٠ قطعة سلاح، منها ذخائر الهجوم المباشر المشترك، وصواريخ الموت «JDAMs»، التى تحول «القنابل الغبية» ذات السقوط الحر إلى أسلحة موجهة بدقة.

وتوصل تحقيق أجرته الصحيفة البريطانية، الأسبوع الماضى، إلى أن صاروخ «JDAM» أمريكى الصنع قد تم استخدامه فى غارة جوية فى مارس على جنوب لبنان، أدت إلى مقتل سبعة عاملين فى مجال الصحة. 

وأكدت «الجارديان» أن استمرار جهات التحقيق الدولية فى محاكمة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب فى غزة هو ما دفع الولايات المتحدة لمراجعة موقفها من الأسلحة التى ترسلها إلى إسرائيل، حتى لا تتورط فى المساءلة القانونية.

وأوضحت أن شحنة الأسلحة التى تضمنت ١٨٠٠ قنبلة يبلغ وزنها ٢٠٠٠ رطل، و١٧٠٠ قنبلة يبلغ وزنها ٥٠٠ رطل، كان ينظر إليها منذ فترة طويلة من قبل الخبراء على أنها الأكثر احتمالًا لاستهدافها بأى قيود محتملة على إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل، نظرًا لمدى تدميرها فى المناطق الحضرية.

ونوهت بإصرار المسئولين الأمريكيين على القول إن التوقف ليس بسبب مخاوف قانونية، بل هو قرار سياسى، رغم قلق الإدارة من تورط الولايات المتحدة فى أحكام قانونية قد تصدر ضد إسرائيل فى النزاعات المعروضة أمام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.

وذكرت الصحيفة البريطانية أن المحادثات فى الأشهر الأخيرة بين الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال ركزت على كيفية ابتعاد الجيش الإسرائيلى عن قواعد البنتاجون فى استخدامه لذخائر وأسلحة معينة فى المناطق الحضرية المكتظة بالسكان.

ولفتت إلى مواصلة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة ودول أخرى حملة عقوبات متصاعدة ضد المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين والمنظمات اليمينية المتطرفة، على خلفية حرب غزة وعنف المستوطنين فى الضفة الغربية، قبل أن يتحول الاهتمام مؤخرًا إلى جيش الاحتلال الإسرائيلى.

كما لفتت «الجارديان» إلى أن تأخير الشحنة يأتى على خلفية التسليم المتوقع لتقرير من وزارة الخارجية الأمريكية يبحث فى ما إذا كان سلوك إسرائيل الحربى يتوافق بشكل موثوق مع الضمانات بأن الأسلحة التى توفرها الولايات المتحدة لن تستخدم فى انتهاك للقوانين الإنسانية الأمريكية والدولية، كما يأتى فى وقت تعتقد فيه واشنطن أن اقتراح حركة «حماس» الفلسطينية المعدل لوقف إطلاق النار قد يؤدى إلى انفراجة، مع استئناف المفاوضات فى القاهرة.

وفى السياق نفسه، كشف موقع «أكسيوس» عن غضب إسرائيلى وإحباط عميق لدى مسئولى دولة الاحتلال بعد القرار الأمريكى، الذين قالوا إن القرار من شأنه تعريض مفاوضات الهدنة والإفراج عن المحتجزين للخطر.

وحسب الموقع الأمريكى، فإن المسئولين فى واشنطن يرون فى المقابل أن القرار كان بمثابة «خطوة غير مسبوقة» اتخذتها إدارة «بايدن»، لكنها كانت الوسيلة الوحيدة للولايات المتحدة للتعبير عن قلقها بشأن خطط إسرائيل لغزو برى محتمل لرفح.

وأضاف الموقع الأمريكى أن وقف الشحنة أدى إلى زيادة التوترات بين إدارة «بايدن» وحكومة «نتنياهو»، والتى تزايدت بشكل مطرد فى الأشهر الأخيرة، فى ظل معارضة الإدارة الأمريكية أى عملية برية كبيرة تقوم بها إسرائيل فى رفح ولا تتضمن خطة موثوقة لحماية المدنيين.

وأشار إلى أن البيت الأبيض يرى أن عملية رفح ما زالت «محدودة حتى الآن»، ويعتقد أن إسرائيل لم تتجاوز «الخط الأحمر» الذى وضعه الرئيس الأمريكى، رغم التحذيرات من أنه إذا اتسعت العملية أو خرجت عن نطاق السيطرة، ودخلت قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى مدينة رفح نفسها، فسيكون ذلك بمثابة «نقطة انهيار» للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

وقال «أكسيوس» إنه، خلف الأبواب المغلقة، عمل المسئولون الإسرائيليون جاهدين للحصول على تفسير لقرار الولايات المتحدة بإيقاف شحنة الأسلحة، وأعربوا عن إحباطهم العميق لنظرائهم الأمريكيين، مع إبلاغ الإدارة الأمريكية بأن «إسرائيل منزعجة، ليس فقط من قرار تعليق الشحنة، ولكن أيضًا من تسريب القرار لوسائل الإعلام».

ونقل الموقع عن مسئول أمريكى قوله: «من المثير للاهتمام أن بعض المسئولين الإسرائيليين يشكون من التسريبات، فى حين أنهم هم الذين سربوا المعلومات أولًا».

كما نقل عن مصادر أمريكية مطلعة قولها إن الإسرائيليين أبلغوا واشنطن بأنهم يشعرون بقلق بالغ- مع استمرار المفاوضات فى القاهرة- من أن توقيت هذه الخطوة سيعرض للخطر الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المحتجزين ووقف مؤقت لإطلاق النار، لأن «حماس» لن تغير من مواقفها عندما ترى مستوى الضغط الأمريكى على إسرائيل، مشيرين إلى أنه على إدارة بايدن أن تضغط على «حماس» وليس على تل أبيب.