رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"روائي يكتب عن قاص".. سامح الجباس: نساء (آية طنطاوي) التي لايعرفهن الفيس بوك

الروائي سامح الجباس
الروائي سامح الجباس

فى مستهل سلسلة  “روائي يكتب عن قاص”  وهي سلسلة أسبوعية تطلقها “الدستور”، يكتب الروائي د. سامح الجباس هذا الأسبوع عن تجربة القاصة آية طنطاوي ومجموعتيها القصصيتين “احتمالات لا نهائية للغياب” و" في مد الظل".

للروائي سامح الجباس  العديد من الأعمال الأدبية التي نالت إستحسان القراء في مصر والوطن العربي وأعيد طباعتها؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: رواية «حبل قديم وعقدة مشدودة» التي نالت  على جائزة كتارا للرواية العربية عن فئة الروايات غير المنشورة وفئة الدراما في عام 2015، ورواية «حي الإفرنج»، ونال جائزة كتارا للرواية العربية عن روايته «حبل قديم وعقدة مشدودة» في عام 2015 وقد ترجمت الروايته إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ورابطة كارهي سليم العشي"، وغيرهم. كما له في الترجمة عن اللغة الإنجليزية «فئران ورجال» للكاتب «جون ستاينبك» وغيره.

الروائي د. سامح الجباس

سامح الجباس يكتب: نساء ( آية طنطاوى) التي لايعرفهن الفيس بوك

يبدو حضور المرأة فى السنوات الأخيرة متوهجًا/ مصطنعا على الفيس بوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعى بسيل من الصور والفيديوهات القصيرة، بينما يشحب وجود الكثير منهن فى الحياة الحقيقية.

فى مد الظل".. آية طنطاوى: تستفزنى الشخصيات المهمشة وأخلق من الصمت دراما - اليوم السابع

لكن الكاتبة الشابة ( آية طنطاوى) تملك من القصص ما ( يؤرخ) للنساء الحقيقيات. ومن يقرأ المجموعتين القصصيتين التي سأتكلم عنهن لاحقا – باختصار واضح - سيدرك بوضوح أن هذه القصص تجسد  اسلوب الكاتبة، بصمتها الشخصية،  وختمها الفردى، فهمها  للعالم، وتلك المنطقة التي تشغلها منه.

ولنبدأ بأحدث اصداراتها وهى:

احتمالات لانهائية للغياب –  دار العين للنشر 2023

صحيفة الدستور | "احتمالات لا نهائية للغياب".. مجموعة قصصية لآية طنطاوى عن دار العين

فى القصة الأولى ( عربة الترحيلات) تبدأ بعبارات قصيرة، صادمة، تجذب القارىء بقوة الى " قلب القصة" لنقرأ:

{ نامت القاهرة، اختطف سكانها، أو ربما ماتوا فى حادث انتحار جماعى...}

مجموعة من النساء المتهمات فى قضايا مختلفة تضمهن عربة الترحيلات، لنقرأ هذا الوصف المختزل / الدال لهن:

{ والنساء بداخل العربة سقطت عنهن ذاكرتهن القريبة فلا يعرفن عن الأمس شيئا...}

وتستلهم الكاتبة التراث ببراعة فى مفتتح قصتها ( باب الأساطير: فضل موال النهر) لنقرأ:

{ عرفنا ماكان وورثنا الحكاية. تناقلناها كتحية الصباح وحفظناها كدق الوشم الأخضر على أذراع الرجال..} 

وتنتقل الكاتبة الى مستوى آخر – نادر – هى المرأة " الولى" ففى قصتها ( مقام خضرا عطية) ينزل الخبر كالصاعقة على رؤوس نساء الحى حيث سيتم هدم مقام الست خضرا عطية. 

لنقرأ هذا المشهد:

{ ورغم أن زيارة المقام كانت محرمة علينا فى بيتنا، فاننى جئت مع أختى وصغيرتها نودع مقام خضرا عطية، قبلة الحى وأم المساكين، احتشدنا بين النساء اللاتى افترشن الأرض وجلسن فى دوائر حول المقام...}

والذات النسوية تبرز بوضوح فى كل الشخصيات النسائية التي تطل علينا من سطور هذه القصص.

وليس المقصود بالذات هنا الذات الفردية باستقلاليتها المجردة فحسب، بل الذات الجمعية المنبثقة منها أيضًا، التي تعنى مجموعة متجانسة من الناس تتشكل الهوية فيهم ومنهم بواسطة تحليل رؤية هؤلاء الناس للواقع الذى يعيشونه وتعكس انطباعاتهم وتلقيهم للأحداث التي يمرون بها.

Nwf.com: في مد الظل " قصص ": آية طنطاوي: كتب

ولنلقى نظرة سريعة على مجموعة ( فى مد الظل )  - دار بتانة للنشر 2022

اذا كنت من محبى منطقة السيدة زينب، بشوارعها، بمحلاتها، بناسها، بأسواقها الشعبية، ببيوتها البسيطة، فقد جمعت لك الكاتبة الشابة آية طنطاوى هذا العالم بين صفحات كتاب صغير الحجم.

شخصيات هذه القصص ( حية / فقيرة / مهزومة تحاول ألا تبدو كذلك ) 

تاخذ الكاتبة القارىء فى ( جولة ) فى حوارى وشوارع السيدة زينب، فتجد نفسك فى قصة ( عرى ) أمام سيدة فقيرة تحمل رضيعها وتمشى فى السوق فى حر أغسطس لتنفذ " أمر " زوجها بشراء قميص نوم أحمر قصير، هذه هى المهمة التي خرجت من أجلها مضحية بطلبات البيت الأهم، لكن كيف كان باطن هذه المرأة ؟ لنقرأ:

{ متى كانت آخر مرة ثرثرت فيها مع صديقاتها ؟ متى أطلقت ضحكة رقيعة كتلك التي يتردد صداها فى أذنها ؟ لم تتذكر، شهور أم أعوام أم قرون. يبدو أن هذا الجسد الذى تستقر فيه بالخطأ يخص امرأة على شفير الموت...}

  • فى قصة ( الصاعدون إلى الله ) استوقفتنى شخصية توحة التي ترسمها الكاتبة بهذه السطور المعبرة:

{ فى الصباح تتجول توحة فى شوارع الكبش، تأخذ العيش من أبو جمال الفران، والفول والبصل من عم على السجان. وتتسكع فى الشوارع إلى أن تصل لمتكئها المعتاد تحت شجرة كبيرة فى منتصف الكبش، تأكل فطورها وتراقب السماء العالية والبيوت المكشوفة بالأسفل، وعندما تفرغ من الطعام تغنى، الغناء عادتها، صوتها مشروخ ومزعج لكنها تحفظ الأناشيد والمواويل عن ظهر قلب، فزياراتها لم تنقطع عن الموالد والليالى الكبيرة، تمشى فى المسيرات وترقص فى الساحات، وتلعب مع الأطفال وتتربع عند الأضرحة، تبكى وتنتحب وتعود فى الليل تغمرها النشوة بعمر أصغر وحركة أخف..}

كلمة أخيرة:

تجيد الكاتبة آية طنطاوى الكتابة السردية التي تنتهج مبادىء النسوية كتوجه أدبى نضالى يدافع عن قضية المرأة ويُطالب بحقوقها فى المساواة والاختلاف.