رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هذه نهلتى وحلم حياتى.. المرأة التي أوقفت شقاوة عبدالوهاب بعد الستين

محمد عبدالوهاب
محمد عبدالوهاب

- مشاكل عبدالوهاب وإقبال كانت مثار نميمة الصحف لسنوات

 

فى يوم ٢٢ فبراير عام ١٩٥٨ وقع الرئيسان المصرى جمال عبدالناصر والسورى شكرى القواتلى ميثاق الجمهورية المتحدة لتنصهر القاهرة مع دمشق ويصير الدم السورى والمصرى واحدًا، ويصبح هذا التوقيع إيذانًا للصحف والمجلات فى البلدين أن تقوم بتغطيات موسعة لكل مظاهر الوحدة المصرية السورية، وهذا ما حدث بالفعل.

تبارى أهل الفن من البلدين لتوثيق هذا الحلم الجميل عبر أعمال أرخت لتلك الفترة الثرية من تاريخ الأوطان.. كان طبيعيًا أن يكون على رأسهم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، حيث صنع أغنية الوحدة الرسمية التى ترددت حينها فى ميادين القاهرة ودمشق وحلب والإسكندرية وهى أغنية «يا إلهى انتصرنا».

هذا هو واقع ما حدث.. أما المفارقة فهى أن عبدالوهاب دون ترتيب مسبق قد شارك فى الوحدة العربية بشكل آخر بجانب فنه عبر رباط إنسانى وثيق عنوانه «نهلة القدسى»، تلك المرأة السورية الجميلة التى ستصبغ سكينة وراحة بال على ٣٣ عامًا متبقية من عمر عبدالوهاب.. أبدع فيها أهم أيقوناته الموسيقية.

نهلة وعبدالوهاب كانا الحدث الأبرز للصحافة الفنية فى عام الوحدة عام ٥٨.. بمجرد أن اشتمت أنوف الصحفيين بوادر علاقة حب بين موسيقار الأجيال المصرى الذى طلق أم أولاده قبل شهور، مع سيدة تنتمى لأعرق الأسر السورية على مشارف الطلاق من زوجها الدبلوماسى الشهير.

بكل الأسف لم تصمد الوحدة العربية كثيرًا وانتهى حلم عبدالناصر الكبير بانقلاب سوريا فى سبتمبر ١٩٦١، لكن بقيت الوحدة بين الحبيبين عبدالوهاب ونهلة القدسى أبدية لم تنتهِ بوفاته يوم ٤ مايو ١٩٩١ بين أحضان نهلته وحلم حياته.

الطريق إلى سنوات نهلة الهادئة المحفوفة بالسكينة لم يكن ممهدًا تمامًا أمام عبدالوهاب، فقد امتلأت جدران حياته السابقة بقصص ومغامرات عاطفية ملتهبة وزيجات غير موفقة وخناقات وطلاق غير هادئ وبقية البهارات الساخنة التى اتخذتها الصحافة وقودًا حيويًا لا ينضب.. لا بأس من اقتفاء آثار تلك الرحلة صحفيًا.

شقاوة قديمة.. محمد أفندى «مدوخ» قلوب العذارى.. واسألوا كامل الشناوى

«كانت دنيا عبدالوهاب فى الفترة ما بين ١٩٢٥ و١٩٤٤ نساء وألحانًا.. كان يلحن ليلًا ونهارًا، وحوله المفتونات به، وهن غالبًا من الطبقة الأرستقراطية وكان عبدالوهاب إذا غنى فى أحد البيوتات الكبيرة جلست تحت قدميه عشرات الفتيات المفتونات به.. وكم من زيجة لم تتم بسبب إعجاب العروس بعبدالوهاب! وكانت طاقة عبدالوهاب تسمح له بأن يبادل العشرات بل المئات عواطفهن فى وقت واحد، ولكنه ضنين بعواطفه، فكان يخص بها واحدة أو اثنتين لفترة معينة، ثم ينتقل إلى واحدة أخرى أو اثنتين أخريين لفترة جديدة وهكذا».

إذا قرأت ما سبق بين القوسين على أنه كلامى فقد تظننى مبالغًا أو بلغة أهل الإنترنت أريد «ريتش عالى»، فأبالغ فى تصوير ما كان عليه عبدالوهاب فى بدايات عمره، لكنك ستتعجب عندما تعرف أن قائل هذا الكلام هو الصديق الصدوق لعبدالوهاب وأهم ظرفاء وحكائى عصره كامل الشناوى الذى كتب فى مذكراته كثيرًا عن عبدالوهاب جمع فى كتاب فيما بعد باسم «عرفت عبدالوهاب».

هذه الشهادة نشرت فى إطار حلقة من مذكرات الشناوى فى عدد آخر ساعة ١٤ أبريل ١٩٦٥، وتحدث الشناوى كثيرًا وأزبد فى حكى مغامراته النسائية التى قد لا توحى به صورة عبدالوهاب المنطبعة فى الأذهان، حيث الرجل الوقور الذى يرتدى البدلة بالكرافتة طوال الوقت على لسانه قبل جسده.. فتعبيراته متزنة وعاقلة ونبرة صوته تنضح بالحكمة، لكن الصديق كامل الشناوى يقول عن عبدالوهاب ما يهدم تلك الصورة لمن لم يعاصر شقاوته.

يقر كامل أن عبدالوهاب يشترك معه فى الإيمان بأن المرأة هى التعبير الصادق اللذيذ عن الجمال، ويكمل شهادته، قائلًا: «ظل عبدالوهاب فترة طويلة، يثير شغف المراهقات والسيدات الطاعنات فى السن. وقد تزوج إحدى هؤلاء السيدات سرًا، وطلقها سرًا.. وعندما وافاها الأجل منذ أعوام قليلة طلبت أن ترى عبدالوهاب قبل أن تموت، ولكن أعصابه خانته فأجهش بالبكاء، وألحت عليه زوجته السيدة نهلة القدسى أن يزور السيدة المريضة فأرجأ الزيارة إلى اليوم التالى. وماتت مطلقته فى هذا اليوم، ولم يقو على تشييع جنازتها، وبعد يومين توجه إلى قبرها، وقرأ الفاتحة ووزع الصدقات».

وعلى عهدة كامل الشناوى فقد كان عبدالوهاب يعجب بنوع خاص من النساء. يستهويه القوام الفارع بغير طول، الملىء بدون سمنة، والبشرة البيضاء، المشربة بالحُمرة، والشعر الأسود، والعيون الدعجاء، والأهداب المشدودة، والرقبة التى تجيد الالتفات!

وتلك المواصفات قد تطابقت تقريبًا مع الزوجة الثانية له والتى دخلت حياته بداية الأربعينيات إقبال نصار لتبدأ مرحلة جديدة من علاقة موسيقار الأجيال بالجنس اللطيف.

نهلة سر المفتاح.. بنت سوريا.. منحة القدر لرجل على مشارف الستين 

فى عام ١٩٥٨ وبعد شهور قليلة من انتهاء العلاقة رسميًا بين عبدالوهاب وأم أولاده إقبال نصار، كان القدر يدخر للفنان امرأة أخرى ستضيف نكهة جديدة فى حياته كان يفتقدها على ما يبدو فى سنوات عمره الماضية والتى قاربت الستين.. امرأة جاءت من الجزء الشمالى للجمهورية العربية المتحدة سوريا الحبيبة.

فى هذا العام وجدت الصحافة ضالتها فى القصة الأكثر إثارة.. موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الرجل الذى شارف على ستينيات عمره يعيش قصة حب جديدة مع سيدة سورية تدعى نهلة القدسى.. القصة تحمل كل المتطلبات والبهارات اللازمة لصناعة قوالب صحفية جذابة.

مجلة الجيل الشبابية لصاحبيها على ومصطفى أمين ورئيس تحريرها حينها موسى صبرى قد أرسلت مندوبها إلى بيروت، ليبعث لها موضوعًا تحت عنوان: «آخر أخبار الحب بين نهلة وعبدالوهاب»، وذلك قبل زواجهما رسميًا، وسجل المحرر شهادته عما رآه من انقلاب حال عبدالوهاب بعد معرفة حبه الجديد نهلة حيث يبدأ موضوعه بالنص:

«أصبح عبدالوهاب شابًا لا يزيد عمره على العشرين عامًا، لم يعد يشكو من المرض، لم يعد يشكو من القلق، لم يعد يخاف من الإنفلونزا وتيارات الهواء، أصبح عبدالوهاب يسهر ويرقص ويصحو فى الثامنة صباحًا، إنه اليوم يلحن فى كل ساعة أغنية جديدة، إنه يأكل بشهية توازى ثلاثة أضعاف ما كان يأكله فى القاهرة، إنه يسهر حتى مطلع الفجر ولا يكاد يفارق عوده وألحانه، لقد نسى نفسه ونسى وقته ونسى عمره وأصبح لا يتحدث إلا عن الحب ولا يسأل إلا عن نهلة القدسى».

شهادة مندوب مجلة الجيل عن الحالة الإيجابية التى أصابت عبدالوهاب بعد مقابلته نهلة القدسى تتطابق تقريبًا مع شهادة صديقه كامل الشناوى فى مذكراته التى نشرت بعدها بسنوات فى مجلة «آخر ساعة»، وقال بالنص فى الحلقة المنشورة فى عدد ١٤ أبريل ١٩٦٥: «توقع كثيرون من أصدقائه وكنت منهم أن هذا الزواج لن يدوم غير أشهر قليلة.. ولكن الذى حدث أن حياة عبدالوهاب تغيرت بهذا الزواج، أصبح يحب بيته وابتعد عن كل ما يثير الريبة والظن، صار يحب المال لينفقه لا ليدخره».

محرر الجيل أيضًا قابل أم نهلة السيدة «سعود شكرى» التى أبدت قلقها من عدم إعلان عبدالوهاب قرار الزواج حتى الآن، حيث أنهت كلامها بقولها: «لقد طلب محمد من نهلة أن تبرهن على حبها، وأظنها قد فعلت وبقى الآن أن يبرهن هو على حبه لها».

والحق أن عبدالوهاب نفذ وعده وبعد أشهر كانت «آخر ساعة» فى عدد ١٢ نوفمبر ١٩٥٨ تنشر موضوعًا كتبه عبدالوهاب نفسه عن يومياته مع نهلة فى شهر العسل بأوروبا وضعت له المجلة عنوانًا ساخنًا: «اتهمونى بالقتل فى شهر العسل»، وطُعم الموضوع بصور للعروسين السعيدين يتسكعان فى شوارع أوروبا يبدو فيها عبدالوهاب منطلقًا بشوشًا كأنه ابن عشرين وليس ستين.

منذ تلك اللحظة أصبح عبدالوهاب ونهلته الجميلة ضيفين دائمين على أغلفة المجلات العربية الفنية، مثل الكواكب والموعد والشبكة، وغير الفنية مثل المصور وغيرها، وأصبح تتبع نشاطهما الزوجى المعتاد طقسًا دائمًا لصحفيى الفن فى تلك المجلات.. هذا النشاط يتضمن ذهابهما للمصيف مثلًا، سواء كان فى لبنان أو سوريا أو أوروبا أو حتى فى جليم.. أو حتى استقبالها له فى المطار بعد الوعكة التى ألمت به عام ١٩٦١ أثناء وجوده فى باريس، حيث أفردت «الكواكب» فى منتصف سبتمبر من هذا العام ٣ صفحات مصورة بعنوان: «عبدالوهاب عاد بالسلامة»، تتصدرها صورة نهلة مع عبدالحليم ونجاة، وحشد من محبى موسيقار الأجيال ينتظرونه على رصيف ميناء الإسكندرية.

إذن تحولت نهلة القدسى إلى عنصر ملازم لعبدالوهاب فى كل أحاديثه الصحفية الطويلة مثل حواره مثلًا مع مجلة الموعد فى عددها الصادر آخر يناير عام ١٩٦٤ بعد زواج مر عليه أكثر من خمس سنوات، لكنه لم يفقد طزاجته، وقد أفردت الموعد للحوار الثلاثى بين مندوبها فى القاهرة وعبدالوهاب ونهلة على ٦ صفحات بينها الغلاف بالطبع، وكان عنوان الموضوع: «عبدالوهاب الذى عاد إلى قمة الشباب». كان الحوار خفيفًا بالغ الرقة تناديه نهلة طول الوقت باسم الدلع «حمادة» دون أى تورع من وجود صحفى الموعد معهما الذى قال فى تعليقه على جملة غزل قالتها نهلة لعبدالوهاب: «وكما يلفت الخجل وجه شاب يافع طرقت أذنيه لأول مرة كلمة غزل.. هكذا احمر وجه عبدالوهاب خجلًا وحياءً وأخذ يتمتم بصوت أشبه بالهمس: الله يخليكى يا ستى يا حبيبتى يا موعد السعادة فى حياتى».

اللافت أيضًا أن نهلة القدسى تحولت لأيقونة فى حد ذاتها ومصدر جذاب للصحافة، حيث تجرى معها الحوارات المطولة كلها عن «بيبى» فقط، لا تمل من الحديث عنه باستفاضة، تكثر من الحديث عن مميزاته، التسامح والهدوء وعدم العصبية، وتبرر عيوبه المعتادة الشائعة مثل الوسوسة الزائدة، فتقول إنها حرصت على صحته فقط من أجل ألحانه وموسيقاه التى قد يعطلها دور إنفلونزا شديد.. وتصحح صفة البخل المشهورة عنه إلى لفظة أقل وطأة وتقول «الحرص»، فهو حريص وليس بخيلًا، ومن حقه أن يؤمن مستقبله ومستقبل أولاده وأنت تعرف أن الفنانين مصروفاتهم كثيرة ومبالغ فيها، فلا ضرر فى ذلك. فى عدد «الكواكب» الصادر يوم ١٤ أبريل ١٩٦٤ أجرت محررة «الكواكب» الشابة حينها سكينة فؤاد، حوارًا جميلًا مع الزوجة السورية الجميلة وكان عنوانه: «نهلة القدسى تقول: عبدالوهاب شقى وأغار عليه»، وتساءلت سكينة فى مقدمة الحوار قائلة: «المرأة التى وراء أعظم فنان فى الشرق.. من هى؟ ولماذا أحبها كل هذا الحب؟ ثم استقرت حياته بعد أن تزوجها وغزر إنتاجه وقدم إلى الجماهير العربية أجمل ألحانه؟». 

حياة عبدالوهاب مع نهلة كانت ثرية ومليئة بالأحداث بشكل يملأ مجلدات، لكننى سأتوقف عند ما كتبه رئيس تحرير مجلة الشبكة اللبنانية جورج إبراهيم الخورى فى عدد ٨ يناير ١٩٦٨ بعد أن تناثرت أخبار عن خلافات بين الحبيبين نهلة وعبدالوهاب وصلت للطلاق.. فكتب جورج القريب من الاثنين شهادته عن تلك العلاقة الفريدة قائلًا بالنص: 

«اختار عبدالوهاب السيدة نهلة القدسى التى أدركت مواطن الحساسية فى زوجها وعرفت أن زوجها طراز فريد بين أهل الفن جميعًا لا تقاربه إذا شعرت بأنه يباعدها، ولا تباعده إذا أحست بأنه يقاربها، ولا تكلمه إذا كان صامتًا، ولا تدعوه إلى صمت إذا كان متحدثًا، إنه طفل كبير فى قوام عملاق تلاعبه وتداعبه وتشترى له قمصانه وجواربه وتدير بيته وماله وتشرف على طعامه وشرابه، وأرقى من كل هذا نظمت نهلة القدسى حياة عبدالوهاب وأنقذته من فوضاه المستعصية التى كانت مضرب مثل فى حياته الزوجية السابقة ووفرت له الراحة النفسية التى كان ينشدها والاطمئنان الفكرى الذى كان يتوخاه والسعادة المقيمة التى كان يشتهيها».

ويكمل الخورى شهادته قائلًا: «وما إن غفا الموسيقار الكبير على دراع نهلة حتى بعث شبابه واستيقظ فنه، وأطلق فى دنيا الأنغام أروع الأعمال الموسيقية التى تجاوزت الحدود إلى اللامحدود وسجلت للشرق انتصارًا حضاريًا جبارًا ظهر آخر آثاره فى باريس عندما وقفت أم كلثوم على مسرح الأوليمبيا وكانت وراء كل هذا تقف امرأة وراء محمد عبدالوهاب نهلة القدسى ووراء نهلة حياة جديدة لمحمد عبدالوهاب».

وأنهى جورج شهادته البديعة فى حق الحبيبين بسؤال للموسيقار عبر الهاتف: هل صحيح أنك طلقت نهلة؟ أجابه حازمًا: كلا. 

قال جورج: إذن سأعلن الخبر السعيد على محبيك.

فرد عبدالوهاب أعلنه وقل:

وهل يُعقل أن يتخلى عبدالوهاب عن حياته.

اقبال.. المراة الحديدية.. قليل من الهدوء.. كثير من العواصف والأولاد

بغتة بدون أى تمهيد قرأ الناس أن محمد عبدالوهاب معشوق النساء قد تزوج من امرأة مطلقة ولديها ابن واسمها إقبال نصار.. وعلى عهدة كامل الشناوى فقد كان هذا الزواج مفاجئًا لأقرب الناس لعبدالوهاب وهى أمه مع أنه كان يقدسها تقديسًا مهيبًا ويستلهم منها كل تصرفاته.. كما أن هذا الزواج أيضًا قد أثار سخطًا شديدًا ممن ارتبط بهن عبدالوهاب عاطفيًا، كما قال الشناوى فى مذكراته.

على الرغم من أن زواج عبدالوهاب من إقبال نصار كان بكامل إرادته بالطبع ولا يمكن القول إلا أنه أحبها وشده جمالها الأخاذ المتوافق مع نوع النساء الذى يفضله.. لكنه على ما يبدو قد وجد نفسه مكبلًا بقيود لم يعتد عليها خاصة بعد أن تدفق الأولاد واحدًا تلو الآخر من رحم الزوجة الجميلة.. وأصبح دور الأب والزوج يزاحم دور الفنان المنطلق الذى تنشط قريحته فى بيئة قائمة على الحرية المطلقة.

عبدالوهاب المحب لتزاحم الجميلات حوله شعر بالغربة بعد سنتين من الزواج خاصة بعد أن أخذ إعجاب الفتيات به كفتى أحلام يتضاءل وينكمش.. حيث إن وطنه الطبيعى بين الجميلات يحببنه ويخدعهن وهذا هو مصدر إلهامه، على حد قول كامل الشناوى، وعندما يتحول إلى زوج عادى محاصر من زوجته مهما كان جمالها فهذا ما لم يرض نزق عبدالوهاب أبدًا وهنا- والكلام على عهدة الشناوى أيضًا- قرر الموسيقار أن يستلهم الجمال سرًا، وبعيدًا عن أعين الناس، فكان يعقد جلسات خاصة فى بيوت بعض أصدقائه الذين يأتمنهم على أسراره، ويختار لهذه الجلسات أوقاتًا لا ترقى إليها الشبهات.. قبل الظهر ثم يتناول الغداء فى بيته، والساعة الخامسة مساء ثم يتناول العشاء مع زوجته.

هنا بدأت تترامى إلى الأسماع مشاكل وتوترات فى بيت الموسيقى الأهم فى مصر، وبدأت الجرائد والمجلات الفنية تلوك سيرته العائلية بشكل مفرط بعد أن انفجرت المشكلات بين الزوجين من كل حدب وصوب، حيث لم ترضَ المرأة القوية المعتزة بنفسها إقبال أن يُقال إن زوجها على علاقة بفلانة أو علانة حتى لو كان فنانًا بقيمة عبدالوهاب.

وقد نشرت مجلة «آخر ساعة» فى عدد ١٢ أكتوبر ١٩٥٥ تحقيقًا بعنوان: «زوجة عبدالوهاب ترفض ٧٠٠٠ جنيه للصلح والنجمة الجديدة التى اكتشفها زوجها هى سر الأزمة». وسرد محرر «آخر ساعة» سلسال الأزمات المتوالية بين الزوجين، والذى كان فى كل مرة يصل إلى أن تظل هى وأولادها فى المنزل ويلملم هو أشياءه الضرورية ويبيت فى أحد الفنادق الكبرى لأيام حتى يتدخل أبناء الحلال بالإصلاح بين الزوجين.. لكن هذه المرة لم تحتمل الزوجة وقررت هى أن تهجر المنزل وتترك كل شىء حتى أبناءها منه وابنها الكبير طارق ذهب إلى بيت جدته لأبيه.

وكان سبب المشكلة هذه المرة هو محاصرة الأخبار الصحفية لها فى مصيفها فى رأس البر وحدها مع الأولاد، حيث تحجج الزوج عبدالوهاب بانشغاله بعمل جديد فى القاهرة يجعله يحتمل حرارة الصيف الحارقة ولا يذهب معهم.. لكن الجرائد والمجلات فسرت السبب بالتلميح والتصريح بانشغاله بالنجمة الجديدة التى يكتشفها حينها ويقع فى غرامها- لم يذكر التحقيق من هى- وظهر جليًا أن محرر الموضوع متحيز تمامًا لوجهة نظر الزوجة إقبال، وهو ما جعله يسهب فى شرح بخل عبدالوهاب الذى كان عاملًا مساعدًا أيضًا فى تعميق الخلافات، حيث قال بالنص: «تقول صديقات إقبال نصار إن بخل عبدالوهاب يمتد إليها نفسها. فكل مصروفاتها الشخصية ومصروفات نجلها طارق من زوجها الأول يتولاها أخوها المهندس على نورالدين الذى صمم فيلتهما الصغيرة فى الهرم قبل أن ينتقلا إلى شقة الزمالك الكبيرة على النيل بعد كثرة الأولاد».

واستمرت الحياة على هذا المنوال المتوتر بين عبدالوهاب وإقبال حتى وصل الأمر إلى النهاية المحتومة والمريحة للطرفين وهى الطلاق، وقد نشرت أخبار اليوم فى أواخر عام ٥٧ أن إقبال رفضت رفضًا تامًا كل محاولات الإصلاح أو معالجة الأمور بأن يعيشا معًا فى عمارة واحدة بلا طلاق مراعاة لشعور الأولاد، فكان الطلاق هو الحل الأمثل ليبدأ الموسيقى الأهم حياة جديدة فى العام التالى، حياة مختومة بختم نهلة القدسى.