رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعايير الأمريكية المزدوجة

«هل لدينا معايير مزدوجة؟».

السؤال طرحه أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، وأجاب عنه بالنفى، خلال تعليقه على التقرير السنوى بشأن ممارسات حقوق الإنسان فى مختلف دول العالم، الذى أصدرته وزارته، أمس الأول، الإثنين، زاعمًا أن ذلك التقرير يقدم «وصفًا واقعيًا ومنهجيًا»، استنادًا إلى «معايير ثابتة» تم تطبيقها على كل الدول، سواء كانت متقدمة، أو نامية، أو منافسة، أو حليفة، أو شريكة للولايات المتحدة!

للصحفيين، قال وزير الخارجية الأمريكى إن بلاده تحقق «فى مزاعم بشأن انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان فى عملياتها ضد حماس بقطاع غزة». وفى كلمته، التى استعرض خلالها بعض ما تضمنه التقرير، تحدَّث عن «مخاوف كبيرة وعميقة بشأن حقوق الإنسان» أثارتها «الهجمات المروعة التى شنتها حركة حماس على إسرائيل فى السابع من أكتوبر الماضى»، و«الخسائر الفادحة بين المدنيين فى غزة»، التى جاءت فى إطار ما وصفه بـ«ممارسة إسرائيل لحقها فى ضمان عدم تكرار هذه الهجمات»!.

ما قد يثير الدهشة، أو السخرية، هو أن إصدار التقرير تزامن مع موجة اعتقالات ضخمة لطلاب فى جامعات أمريكية تظاهروا احتجاجًا على استمرار العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة. كما تزامن، أيضًا، مع انتقاد الرئيس الأمريكى لتلك المظاهرات، ووصفه لها بأنها «معادية للسامية وتستحق الشجب». وقد يثير الدهشة والسخرية، معًا، أن حديث «بلينكن» عما وصفه بـ«ممارسة إسرائيل لحقها»، جاء قبل ٢٤ ساعة، من إعلان فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامى لحقوق الإنسان، عن شعوره «بالرعب» من المقابر الجماعية، التى جرى اكتشافها بعد تدمير مستشفيى ناصر والشفاء فى قطاع غزة.

بلسان المتحدثة باسمه، رافينا شامداسانى، ندّد «تورك»، أمس الثلاثاء، بسلسلة الغارات الإسرائيلية على مدينة رفح الفلسطينية، التى أسفرت عن مقتل كثيرين معظمهم من الأطفال والنساء، وكرر تحذيره من أن التوغل واسع النطاق فى تلك المدينة، التى يسكنها ١.٢ مليون مدنى، سيؤدى إلى «المزيد من الجرائم البشعة». كما حذر المفوض الأممى، أيضًا، من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المستمرة بلا هوادة فى الضفة الغربية المحتلة، واستمرار عنف المستوطنين بدعم وحماية ومشاركة قوات الأمن الإسرائيلية.

فى اليوم نفسه، اليوم الـ٢٠٠ للعدوان الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية فى القطاع عن ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان إلى ٣٤ ألفًا و١٨٣ شهيدًا و٧٧ ألفًا و١٤٣ مصابًا منذ ٧ أكتوبر، و«ما زال عدد من الضحايا تحت الركام وفى الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدنى الوصول إليهم»، حسب الوزارة، التى أشارت إلى أن «الاحتلال الإسرائيلى ارتكب ٣ مجازر ضد العائلات فى قطاع غزة وصل منها للمستشفيات ٣٢ شهيدًا و٥٩ مصابًا خلال الـ٢٤ ساعة الماضية».

المهم هو أن الجرائم، التى يرى «بلينكن» أنها تأتى «فى إطار ممارسة إسرائيل لحقها»، أجمعت تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية، على وصفها بأنها انتهاكات صارخة، وندّدت بها، مثلًا، فرانشيسكا ألبانيز، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، التى أعربت عن قلقها البالغ؛ نتيجة الوضع الإنسانى الكارثى للشعب الفلسطينى فى ظل الممارسات الإسرائيلية. ولعلك تتذكر أننا كنا أشرنا، منذ يومين، إلى أن الجولة الإقليمية، التى قامت بها «ألبانيز»، كان من المفترض أن تتضمن زيارة ميدانية لقطاع غزة والضفة الغربية، غير أن المقررة الأممية أعربت عن أسفها واستنكارها لعدم قدرتها على القيام بهذه الزيارة، بسبب «الرفض الإسرائيلى».

.. وتبقى الإشارة إلى أن وزير الخارجية الأمريكى أثنى على كل من ساعدوا فى إعداد التقرير السنوى، سواء كانوا من الصحفيين أو المدافعين عن حقوق الإنسان أو المواطنين، الذين قال إنهم تعرضوا لـ«مخاطر شخصية كبيرة». لكنه تجاهل عشرات الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، من مختلف الجنسيات، الذين راحوا ضحية ما وصفه بـ«ممارسة إسرائيل لحقها». بالضبط، كما تعامى، هو والتقرير، عن الانتهاكات الصارخة والجرائم البشعة، التى ارتكبتها دولة الاحتلال، ولا تزال، فى قطاع غزة والضفة الغربية، واستخدامها سلاح التجويع والحصار والتهجير القسرى لتصفية القضية الفلسطينية.