رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دواعش نجمة داود.. الملف الأسود لكتيبة «نيتساح يهودا»: متشددون صهاينة عذبوا الأسرى الفلسطينيين وقتلوا الأهالى بلا رحمة

دواعش نجمة داود
دواعش نجمة داود

فى خطوة غير مسبوقة، تعتزم إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، فرض عقوبات على كتيبة «نيتساح يهودا» الإسرائيلية، بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين فى الضفة الغربية، وقعت قبل الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة، التى انطلقت فى ٧ أكتوبر الماضى، مع توقع أن يعلن وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، عن تلك العقوبات فى غضون ساعات.

وقُوبلت العقوبات المتوقعة على وحدة عسكرية إسرائيلية لأول مرة بإدانة واسعة من دولة الاحتلال، سواء من قادة الجيش الإسرائيلى الحاليين أو السابقين، أو من قادة إسرائيل السياسيين على اختلاف توجهاتهم، مع تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ«العمل بكل الوسائل ضد هذه التحركات»، التى وصفها بأنها «ذروة السخافة والتدنى الأخلاقى».

ومن المرتقب أن تمنع عقوبات واشنطن الكتيبة المذكورة وعناصرها، وهم من اليهود المتشددين دينيًا «الحريديم» أو من المتدينين الصهيونيين، من تلقى أى نوع من المساعدات العسكرية الأمريكية أو التدريب العسكرى الأمريكى، بعد تورطهم فى سلسلة من الحوادث العنيفة والمثيرة للجدل ضد الفلسطينيين، خاصة فى الضفة الغربية.

تأسست فى 1999 من الرجال فقط.. تضم المتشددين دينيًا من شباب المستوطنين.. وتتخذ شعارًا من «التوراة»

تشكلت كتيبة «نيتساح يهودا» كوحدة خاصة للجنود المتدينين المتشددين، بالتفاهم بين الجيش الإسرائيلى وحاخامات منظمة تُدعى «نيتساح يهودا»، لخلق أجواء تلائم قناعاتهم الدينية، والتزامهم بتقاليد الديانة اليهودية والشريعة المتشددة، بأقصى قدر ممكن، خلافًا لباقى الوحدات التى يغلب عليها الطابع المدنى. 

ولذلك، فإن جميع أفراد الكتيبة هم من المتطوعين من الرجال، ومع تمركزها فى الضفة الغربية أصبحت مقصدًا للعديد من شباب المستوطنين اليمينيين المتطرفين، ومن الشباب الذين لم يتم قبولهم فى أى وحدة قتالية أخرى فى الجيش الإسرائيلى.

وتم إنشاء الكتيبة، بالأساس، فى عام ١٩٩٩، حتى يتمكن الشباب اليهود المتدينون والمتشددون، الذين يرفض معظمهم الانخراط فى الخدمة العسكرية لأسباب دينية، من الخدمة فى الجيش الإسرائيلى دون التفاعل مع النساء، مع منحهم وقتًا أطول للصلاة والدراسة الدينية.

وضمت كتيبة «نيتساح يهودا» وقت التأسيس ٣٠ جنديًا فقط، واعتبارًا من عام ٢٠٠٩، نمت إلى أكثر من ١٠٠٠ جندى، ووصلت إلى وضع كتيبة عاملة بشكل كامل، مثل كل الوحدات القتالية فى الجيش الإسرائيلى، مع خضوع أفرادها لتدريب كتائب المشاة فى الجيش الإسرائيلى، والحصول على ٥ أشهر من التدريب الأساسى، ثم ٦ أشهر من التدريب العسكرى المتقدم.

وتتضمن الكتيبة سرية واحدة فى الخدمة الفعلية، ووحدتين للعمليات، إحداهما سرية استطلاع، والأخرى سرية الرماة، كما انضمت إليها فى أكتوبر ٢٠٠٩ وحدة عمليات ثالثة، لاستيعاب العدد الكبير من الجنود الذين انضموا إليها.

وينظر إلى «نيتساح يهودا» كنموذج لإمكانية دمج المجندين المتشددين دينيًا، «الحريديم»، فى الجيش الإسرائيلى فى المستقبل، فى حال تم إلغاء الإعفاء الحالى الذى يحصل عليه اليهود المتدينون وطلبة المدارس الدينية اليهودية، فى ظل استمرار المطالبات بإلغاء هذا الإعفاء من عدد من التيارات السياسية الإسرائيلية.

ونظرًا لطبيعة الكتيبة المتدينة فإنها تتخذ شعارًا من التوراة هو «لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ سَائِرٌ فِى وَسَطِ مَحَلَّتِكَ، لِكَىْ يُنْقِذَكَ وَيَدْفَعَ أَعْدَاءَكَ أَمَامَكَ. فَلْتَكُنْ مَحَلَّتُكَ مُقَدَّسَةً، لِئَلاَّ يَرَى فِيكَ قَذَرَ شَىْءٍ فَيَرْجِعَ عَنْكَ»، وهى عبارة مأخوذة من سفر التثنية، تصف أهمية الحفاظ على معسكر عسكرى يهودى خالٍ من الخطيئة أو الأشياء النجسة طقسيًا، مقابل المساعدة الإلهية فى المعركة.

وبما أن الكتيبة تركز تركيزًا كبيرًا على تلبية الاحتياجات الدينية للجنود، فإن قواعد «نيتساح يهودا» تتبع أكثر المعايير صرامة فى القوانين الغذائية اليهودية، ولا تسمح بوجود النساء، إلا لزوجات الجنود والضباط، حتى لا يكون هناك «أى تفاعل غير لائق وفقًا للشريعة الدينية اليهودية بين الرجال والنساء».

وحتى أوائل ديسمبر ٢٠٢٢، كانت كتيبة «نيتساح يهودا» هى الوحدة الوحيدة فى الجيش الإسرائيلى التى تتمركز بشكل دائم فى الضفة الغربية، انتقالًا من غور الأردن، إلى المناطق المحيطة بمدن جنين وطولكرم ورام الله، فيما يتناوب جميع الوحدات العسكرية الأخرى تقليديًا وبشكل متكرر بين المناطق المختلفة.

وفى ظل التشدد الدينى لأفرادها، تورط عدد من أفراد كتيبة «نيتساح يهودا» فى العديد من الحوادث المثيرة للجدل والعنف، كما أدينوا فى الماضى بتعذيب وقتل أسرى ومعتقلين فلسطينيين والإساءة إليهم.

وفى أعقاب هذه الحوادث، قال الجيش الإسرائيلى إنه سينقل الوحدة مؤقتًا من الضفة الغربية إلى مرتفعات الجولان، زاعمًا أن القرار «اتُخذ بدافع الرغبة فى تنويع انتشارهم العملياتى فى مناطق متعددة، بالإضافة إلى مراكمة المزيد من الخبرة العملياتية»، وأن القرار لا علاقة له بحادث القتل، أو بسلسلة الحوادث العنيفة والمثيرة للجدل التى وقعت فى عام ٢٠٢٢، وأن الوحدة ستظل تعمل بنفس ترتيباتها كما فى السابق. وابتداءً من ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، شارك جنود كتيبة «نيتساح يهودا» فى الدفاع عن التجمعات السكانية والمستوطنات الحدودية فى غلاف غزة، الأمر الذى سمح لأفرادها بتكرار حوادث العنف والجرائم ضد المدنيين الفلسطينيين.

إدارة بايدن تراقبها بعد قتل شيخ فلسطينى أمريكى تجاوز الـ80 فى 2022

فى الشهر الجارى، ذكر موقع «أكسيوس» أن الحكومة الأمريكية تخطط لفرض عقوبات على كتيبة «نيتساح يهودا»، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان فى الضفة الغربية.

وفى ٢٠ أبريل الجارى، نقل «أكسيوس» عن ٣ مصادر أمريكية قولها إنه من المتوقع أن يعلن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى غضون أيام عن فرض عقوبات على كتيبة «نيتساح يهودا»، التابعة للجيش الإسرائيلى، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان فى الضفة الغربية المحتلة، لتكون هذه هى المرة الأولى التى تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على وحدة عسكرية إسرائيلية.

وقالت المصادر إن العقوبات ستمنع الكتيبة وعناصرها من تلقى أى نوع من المساعدات العسكرية الأمريكية أو التدريب العسكرى الأمريكى، وفق قانون صدر فى عام ١٩٩٧، صاغه السيناتور باتريك ليهى، آنذاك، يحظر على المساعدات الخارجية الأمريكية وبرامج التدريب التابعة لوزارة الدفاع الذهاب إلى وحدات أمنية وعسكرية وشرطية أجنبية يُزعم أنها ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان.

وفى الإطار نفسه، قالت وكالة «بروبابليكا» للصحافة الاستقصائية، ومقرها واشنطن، إن لجنة خاصة تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية حققت فى الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان، استنادًا إلى القانون المشار إليه، وأوصت قبل أشهر بـ«أن يستبعد بلينكن عدة وحدات عسكرية وشرطية إسرائيلية تعمل فى الضفة الغربية من تلقى المساعدات الأمريكية».

وفى مؤتمر صحفى، عقد فى إيطاليا يوم الجمعة الماضى، سُئل «بلينكن» عن التوصية، فقال إنه اتخذ قراراته بناءً على تحقيق اللجنة، وقال: «يمكنكم توقع رؤيتها فى الأيام المقبلة».

وأوضح مسئولون أمريكيون أن قرار «بلينكن» بشأن كتيبة «نيتساح يهودا» يستند إلى حوادث وقعت فى الضفة الغربية قبل ٧ أكتوبر الماضى، مشيرين إلى أن العديد من وحدات الجيش الإسرائيلى الذى تم التحقيق معه لن يخضع للعقوبات، بعد أن «أصلح من سلوكه».

كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد بدأت بالتحقيق فى كتيبة «نيتساح يهودا» فى أواخر عام ٢٠٢٢، بعد تورط جنودها فى عدة حوادث عنف ضد المدنيين الفلسطينيين، حسبما ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية فى ذلك الوقت.

وكانت إحدى الحوادث التى تم التحقيق فيها تتعلق بمقتل الفلسطينى الأمريكى عمر أسعد، البالغ من العمر ٨٠ عامًا، فى يناير ٢٠٢٢، والذى اعتقله جنود «نيتساح يهودا» عند حاجز فى قريته فى الضفة الغربية فى وقت متأخر من الليل، وبعد أن رفض تفتيشه قام الجنود بتكبيل يديه وتكميم فمه وتركوه على الأرض فى البرد، حتى عُثر عليه ميتًا بعد ساعات قليلة.

وفى يناير ٢٠٢٣، تم نقل الكتيبة من الضفة الغربية إلى هضبة الجولان، وذكرت صحيفة «هآرتس» فى ذلك الوقت أن القرار جاء نتيجة للحوادث العديدة التى استخدم فيها جنودها العنف ضد المدنيين الفلسطينيين.

رفض إسرائيلى للعقوبات الأمريكية المرتقبة.. ونتنياهو يصفها بأنها «ذروة السخافة»

«يجب عدم فرض عقوبات على الجيش الإسرائيلى»، هذا ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، يوم السبت الماضى على موقع «إكس»، «تويتر» سابقًا، موضحًا أن القرار الأمريكى يأتى فى «الوقت الذى يحارب فيه الجيش الإسرائيلى حركة حماس»، واصفًا ذلك بأنه «ذروة السخافة والتدنى الأخلاقى»، مع التأكيد أن حكومته «ستعمل بكل الوسائل ضد هذه التحركات».

وتابع «نتنياهو»: «إذا اعتقد أحدهم أن بإمكانه فرض عقوبات على أى وحدة من وحدات الجيش الإسرائيلى، فسأحارب ذلك بكل قوتى».

أما الجيش الإسرائيلى، فقال، فى بيان الأحد الماضى، إنه ليس لديه علم بخطط الولايات المتحدة لفرض عقوبات على كتيبة «نيتساح يهودا»، مضيفًا أنه «إذا تم اتخاذ قرار بشأن هذه المسألة، فستتم مراجعته».

وتابع الجيش الإسرائيلى، فى بيانه، قائلًا عن الكتيبة إنها «تشارك الآن فى الحرب فى قطاع غزة بشجاعة ومهنية، مع الالتزام بقيم وروح الجيش الإسرائيلى ومبادئ القانون الدولى»، واصفًا إياها بأنها «كتيبة رائدة فى دمج القوات الحريدية فى الجيش الإسرائيلى».

وفيما يتعلق بالحوادث المثيرة للجدل، قال جيش الاحتلال إن «الجيش الإسرائيلى يعمل وسيواصل العمل على التحقيق فى كل حدث غير عادى بطريقة مركزة، ووفقًا للقانون».

وبعد انتقادات لاذعة وجهها «نتنياهو» وأعضاء ائتلافه الحكومى اليمينى المتطرف إلى قوى المعارضة فى إسرائيل، أعرب عدد من قادة المعارضة عن استيائهم من الأنباء التى تحدثت عن نية الولايات المتحدة فرض عقوبات على الكتيبة، رغم أن البعض ألقى اللوم جزئيًا على الحكومة.

ووصف زعيم المعارضة وزعيم حزب «هناك مستقبل» يائير لابيد، الخطوة بأنها «خطأ»، وقال إنه على إسرائيل أن «تقاتل من أجل إلغائها»، لكنه تابع قائلًا: «مصدر المشكلة ليس على المستوى العسكرى بل على المستوى السياسى».

وأضاف، فى منشور له على موقع «إكس»، أن العالم «يعرف ويفهم أن وزير الأمن القومى اليمينى المتطرف إيتمار بن غفير، المسئول عن الشرطة الإسرائيلية، لا يريد أن تطبق الشرطة القانون فى الضفة الغربية، وأن وزير المالية اليمينى المتطرف بتسلئيل سموتريتش لا يعارض الإرهاب اليهودى وأعمال الشغب التى يقوم بها المستوطنون المتطرفون».

فيما قال الوزير فى مجلس الحرب وقائد الجيش الإسرائيلى سابقًا بينى جانتس إن «فرض عقوبات على وحدة فى الجيش الإسرائيلى ليست الطريقة الصحيحة للعمل ضد دولة إسرائيل».

وأضاف أن «وحدة المشاة جزء لا يتجزأ من الجيش الإسرائيلى، وهى ملزمة بالقانون العسكرى والدولى»، متابعًا: «نحن الدولة الوحيدة التى تستمع إلى الولايات المتحدة.. عليهم ببساطة أن يتحدثوا معنا».

أما غادى آيزنكوت، الوزير فى مجلس الحرب والقائد السابق أيضًا للجيش الإسرائيلى، فقال إن «فرض عقوبات على أى وحدة فى الجيش خطأ من الأساس».

وأضاف: «سنعمل معًا لمنع القرار، لأنه إذا كانت هناك شكاوى فيجب أن توجه إلى القيادة السياسية والعسكرية، وليس إلى القادة على المستوى التكتيكى».

وعلى الجانب الآخر، وصف الوزير المتشدد «بن غفير» الأنباء عن العقوبات الأمريكية بأنها «خطيرة للغاية»، وقال إنه «يتوقع من وزير الدفاع يوآف جالانت عدم الخضوع للإملاءات الأمريكية»، وإن أعضاء كتيبة «نيتساح يهودا» «يجب أن يكونوا مدعومين بشكل كامل».

وطالب رئيس الوزراء بالرد على الخطوة الأمريكية من خلال عقد مجلس الوزراء الأمنى المصغر، لمناقشة فرض «عقوبات فورية على السلطة الفلسطينية».