رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سقوط أكاذيب إسرائيل.. هكذا دخلت الأسلحة إلى غزة تحت عين وبرعاية جيش الاحتلال ورجاله

جيش الاحتلال
جيش الاحتلال

أى ادعاء بأن عمليات التهريب تتم عبر الشاحنات التى تحمل المساعدات والبضائع لقطاع غزة من الجانب المصرى لمعبر رفح، هو لغو فارغ ومثير للسخرية، لأن أى شاحنة تدخل قطاع غزة من هذا المعبر، يجب أولًا أن تمر على معبر كرم أبوسالم، التابع للسلطات الإسرائيلية، التى تقوم بتفتيش جميع الشاحنات التى تدخل القطاع، كذلك، فإن من تتسلم هذه المساعدات هى جمعية الهلال الأحمر الفلسطينى والمنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة كالأونروا، وهو ما يضيف دليلًا آخر على كذب المزاعم الإسرائيلية.

من جديد تحاول الإدارة الإسرائيلية تبرير فشل أجهزتها الاستخباراتية والعسكرية يوم ٧ أكتوبر الماضى، وحجم الاختراق الهائل والخادع الذى وصل لدرجة الفضيحة الكاملة.. لكن إسرائيل، بدلًا من أن تحقق فيما جرى، كأى دولة يفترض أن تكون محترمة، اختارت أن تلقى الاتهامات على الآخرين، وهذه سياسة يتبعها نتنياهو لحماية رأسه من أى محاكمة محتملة.

ومبكرًا، بدأت إسرائيل التلميح لمسئولية مصرية عما جرى، بدعوى أن سلاح الفصائل المسلحة فى غزة تم تهريبه عن طريق الحدود المصرية، دون أى دليل واحد ملموس، فقط كلها ادعاءات وشائعات للهروب من المسئولية.

والغريب أن تتحدث إسرائيل بهذه الطريقة غير الموثقة عن ادعاءات تهريب الأسلحة من مصر لغزة، وهى الدولة المسيطرة عسكريًا على القطاع، وتملك أحدث وأدق وسائل الاستطلاع والرصد، وقواتها ومستوطناتها وقواتها البحرية تحاصر القطاع صغير المساحة من ثلاثة جوانب، وتكتفى بالاتهامات المرسلة لمصر دون أى دليل عليها.

ومع أن هذه الموجة كانت قد اختفت إلا أنها عادت مرة أخرى فى مقال مجهول نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، يحمل توقيع مسئول كبير سابق فى الموساد والمخابرات العسكرية، تقاعد عام ٢٠١٩، دون الكشف عن اسمه.

فى المقال لا جديد يُذكر، فقط حديث عن مزاعم وادعاءات باطلة حول وجود عمليات تهريب للأسلحة والمتفجرات والذخائر ومكوناتها، إلى قطاع غزة من الأراضى المصرية بعدة طرق، ومنها أنفاق زعمت هذه التصريحات وجودها بين جانبى الحدود.. وهذا الادعاء قد ردت عليه مصر بشكل واف وشامل، على لسان ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات.

«الدستور» تنشر، فى السطور التالية، الرد المصرى على تصريحات المسئولين الإسرائيليين، سواء أعلنوا عن أسمائهم أم لا.

كل دول العالم تعرف جيدًا حجم الجهود التى قامت بها مصر فى آخر ١٠ سنوات، لتحقيق الأمن والاستقرار فى سيناء، وتعزيز الأمن على الحدود بين رفح المصرية وقطاع غزة، حيث كانت مصر نفسها قد عانت كثيرًا من هذه الأنفاق خلال المواجهة الشرسة مع المجموعات الإرهابية فى سيناء عقب الإطاحة بنظام الإخوان فى يونيو ٢٠١٣ وحتى ٢٠٢٠، فهى كانت تمثل وسيلة لتهريب المقاتلين والأسلحة إلى سيناء لتنفيذ عمليات إرهابية راح ضحيتها أكثر من ٣٠٠٠ شهيد من الجيش والشرطة والمدنيين وأكثر من ١٣ ألف مصاب.

تم عمل منطقة عازلة بطول ٥ كيلومترات من مدينة رفح المصرية وحتى الحدود مع غزة، وتم تدمير أكثر من ١٥٠٠ نفق، كما قامت مصر بتقوية الجدار الحدودى مع القطاع الممتد لـ١٤ كيلومترًا، عبر تعزيزه بجدار خرسانى طوله ٦ أمتار فوق الأرض و٦ أمتار تحت الأرض، فأصبحت هناك ثلاثة حواجز بين سيناء ورفح الفلسطينية، يستحيل معها أى عملية تهريب لا فوق الأرض ولا تحت الأرض، وأن مصر لديها السيادة الكاملة على أراضيها، وتحكم السيطرة بشكل تام على كامل حدودها الشمالية الشرقية، سواء مع قطاع غزة أو مع إسرائيل.

مصر كانت هى المبادِرة، وقامت بالاتفاق مع إسرائيل عامى ٢٠٠٥ و٢٠٢١، على زيادة حجم قوات وإمكانات حرس الحدود فى هذه المنطقة الحدودية، من أجل تأمين الاتجاه الاستراتيجى الشمالى الشرقى، واحترامًا لمعاهدة السلام مع إسرائيل، وحتى لا تتخذ الأخيرة من جانبها أى خطوة انفرادية.

الجوهر الحقيقى لادعاءات إسرائيل هو تبرير استمرارها فى عملية العقاب الجماعى والقتل والتجويع لأكثر من ٢ مليون فلسطينى داخل القطاع، وهو ما مارسته طوال ١٧ عامًا.

إمعان إسرائيل فى تسويق هذه الأكاذيب هو محاولة منها لخلق شرعية لسعيها لاحتلال ممر فيلادلفيا أو ممر صلاح الدين فى قطاع غزة على طول الحدود مع مصر، بالمخالفة للاتفاقيات والبروتوكولات الأمنية الموقعة بينها وبين مصر، وأى تحرك إسرائيلى فى هذا الاتجاه سيؤدى إلى تهديد خطير وجدى للعلاقات المصرية- الإسرائيلية، فمصر فضلًا عن أنها دولة تحترم التزاماتها الدولية، فهى قادرة على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها، ولن ترهنها فى أيدى مجموعة من القادة الإسرائيليين المتطرفين ممن يسعون لجر المنطقة إلى حالة من الصراع وعدم الاستقرار، وينضم هذا الخط المصرى الأحمر إلى سابقه والذى أعلنته مصر مرارًا، وهو الرفض القاطع لتهجير أشقائنا الفلسطينيين قسرًا أو طوعًا إلى سيناء، وهو ما لن تسمح لإسرائيل بتخطيه.

هل يمكن للمسئولين الإسرائيليين مروجى الأكاذيب ضد مصر أن يفسروا مصدر الكميات الكبيرة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات المنتشرة فى مختلف مناطق الضفة الغربية حسب بياناتهم الرسمية، فى ظل السيطرة الكاملة لجيش الاحتلال عليها وأنه ليس لها أى نوع من الحدود مع مصر؟ ولن يجدوا حينها سوى نفس المتورطين من جيشهم وأجهزة دولتهم وقطاعات مجتمعهم فى تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة بهدف التربح.

المعلومات توضح أن معظم عمليات تهريب الأسلحة الثقيلة لقطاع غزة تتم عبر البحر المتوسط، حيث تسيطر على شواطئه مع غزة بصورة تامة القوات الإسرائيلية البحرية والجوية، مما يشير إلى نفس النوعية من المتورطين فى إسرائيل من جيشها وأجهزة دولتها وقطاعات مجتمعها فى تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة بهدف التربح.

على الحكومة الإسرائيلية أن تجرى تحقيقات جادة بداخل جيشها وأجهزة دولتها وقطاعات مجتمعها، للبحث عن المتورطين الحقيقيين فى تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة من بينهم بهدف التربح، فالعديد من الأسلحة الموجودة داخل القطاع حاليًا هو نتيجة التهريب من داخل إسرائيل، مثال بنادق M16 ونوعيات من الـRPG، فضلًا عن المواد ثنائية الاستخدام فى التصنيع العسكرى للأجنحة العسكرية بالقطاع، وهنا تكفى مراجعة ما تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية عن التحقيقات التى تجرى مع أفراد من الجيش الإسرائيلى، على خلفية اختفاء أسلحة أو بيعها بالضفة الغربية، ومنها ترسل إلى قطاع غزة.

هذه الادعاءات والأكاذيب هى استمرار لسياسة الهروب للأمام التى تتبعها الحكومة الإسرائيلية بسبب إخفاقاتها المتوالية فى تحقيق أهدافها المعلنة للحرب على غزة، فهى تبحث عن مسئول خارجها لهذه الإخفاقات، كما فعلت أيضًا نفس الشىء مؤخرًا باتهام مصر فى محكمة العدل الدولية بأنها هى التى تمنع وتعوق دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، على الرغم من علمها التام بأن مصر لم تغلق معبر رفح من جانبها ولو للحظة واحدة.

ما تتجاهله التصريحات الإسرائيلية، وهو ما كشفت عنه بيانات الجيش الإسرائيلى خلال الحرب الجارية، خاصة المصورة منها، عن ضبط العديد من ورش تصنيع الأسلحة والصواريخ والمتفجرات داخل الأنفاق بغزة، ما يعنى أن هناك احتمالًا كبيرًا لأن يكون جزء كبير من تسليح حماس والفصائل الفلسطينية تصنيعًا محليًا وليس عبر التهريب.

سياسات الحكومات الإسرائيلية التعسفية المتعاقبة بالقضاء على أى آفاق للحل السلمى للقضية الفلسطينية، وتشجيع انفصال قطاع غزة تحت قيادة حركة حماس عن السلطة الفلسطينية، بما فى هذا غض الطرف عما يصلها من تمويل، والحصار الخانق للقطاع، أدت إلى الأوضاع الحالية التى تزعم إسرائيل من وقت لآخر أن مصر هى المسئولة عنها، لافتًا إلى أن هذه السياسات لأكثر من عقد ونصف العقد هى جزء من استراتيجية نتنياهو لتعميق الانقسام الفلسطينى ولضمان فصل غزة عن الضفة الغربية لإضعاف السلطة الفلسطينية، وليكون لديه المبرر لرفض الدخول فى أى مفاوضات حول حل الدولتين.

دعم وتضامن الشعب المصرى الكامل مع القضية الفلسطينية أمر مؤكد وواقعى دون أدنى شك، ويتماشى مع الموقف الرسمى لمصر من دعم حقوق الشعب الفلسطينى فى دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الـ٤ من يونيو ١٩٦٧. لكن هذا التضامن والدعم الشعبى والرسمى للقضية الفلسطينية لا يتعارضان مع تأمين حدودنا ومنع التهريب منها وإليها، وأن دعم القضية الفلسطينية له الكثير من الطرق السياسية التى تأتى بثمارها، وصولًا لحصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة، والتى تقوم بها مصر بشكل علنى منذ بدء الأزمة الأخيرة، وقبلها طوال الوقت دعمًا للشعب الفلسطينى الشقيق.

مثل هذه الادعاءات الكاذبة لا تخدم الجهود المصرية الإيجابية المبذولة لحل الأزمة فى غزة، التى أثرت على كل المنطقة وجعلتها مهيأة لتوسيع دائرة الصراع، الأمر الذى حذر منه الرئيس عبدالفتاح السيسى وسعى إليه مرارًا وتكرارًا.

هذه الادعاءات الكاذبة لا تخدم معاهدة السلام التى تحترمها مصر، وتطالب الجانب الإسرائيلى بأن يظهر احترامه لها ويتوقف عن إطلاق التصريحات التى من شأنها توتير العلاقات الثنائية فى ظل الأوضاع الحالية الملتهبة، مشيرًا إلى مطالبة مصر كل من يتحدث عن عدم قيامها بحماية حدودها أن يتوقف عن هذه الادعاءات، فى ظل حقيقة أن لها جيشًا قويًا قادرًا على حماية حدودها بكل الكفاءة والانضباط، وستظل مصر تواصل دورها الإيجابى الطبيعى من أجل حل كل مشكلات المنطقة، ولن تنجح هذه الادعاءات الكاذبة فى إثناء مصر عن القيام بمسئولياتها الداخلية والإقليمية والدولية.