رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طهران والأمريكان.. شبح حرب كبيرة

شهد شهر أبريل الجارى ثلاث خطوات متلاحقة، متتالية، أشعلت الخوف من خطر الحرب الإقليمية، بل الدولية. الخطوة الأولى قامت بها إسرائيل فى مطلع الشهر، حين قصفت القنصلية الإيرانية فى دمشق، بالتزامن مع قصفها سوريا وجنوب لبنان، واستمرارها فى إبادة الشعب الفلسطينى. 

الخطوة الثانية كانت حين ردت إيران فى ١٣ أبريل على العدوان على قنصليتها، فاخترقت الأجواء الإسرائيلية للمرة الأولى بأكثر من ثلاثمائة طائرة مسيرة وصاروخ. 

الخطوة الثالثة التى أغلقت الدائرة مؤقتًا كانت حين شنت إسرائيل غارة جوية فى ١٩ أبريل على محافظة أصفهان، التى تقع فيها منشآت نووية إيرانية. ثلاث خطوات متتالية، متلاحقة، أشاعت الخوف والذعر من نشوب حرب إقليمية وصولًا إلى الخوف من حرب دولية كبرى. وفى هذا السياق حذر أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة من أن الشرق الأوسط «على حافة الانزلاق إلى نزاع إقليمى شامل». 

وبداية يجب أن نلاحظ أن إسرائيل كانت البادئة بالعدوان، تأكيدًا لسيطرتها المفردة، المتبجحة، التى تجعلها تشن الغارات الدورية دون عقاب على سوريا، وجنوب لبنان، ومنشآت إيران، إلى جوار إبادة الشعب الفلسطينى لأكثر من نصف عام دون أى عقاب. وقد تناول الكثيرون طبيعة الرد الإيرانى، إن كان مسرحية، أم ردًا عسكريًا، متجاهلين تمامًا أن اسرائيل كانت البادئة ومن ثم فإن من حق إيران أن ترد على العدوان بالشكل الذى تراه. من ناحية أخرى تعود خطورة الرد الإيرانى إلى أنها المرة الأولى التى تقوم فيها دولة فى المنطقة باختراق الأجواء الإسرائيلية وإثارة الذعر، حسب شهادات العديد من المراقبين فى تل أبيب. 

ويضاعف من خطورة الوضع دخول «حزب الله» طرفًا فى الرد على إسرائيل بقصف مواقعها فى الجنوب. وفى مجمل ذلك المشهد لا يمكن إغفال حقيقتين: الأولى الطبيعة العدوانية للكيان الصهيونى، الذى يسعى لإبادة الشعب الفلسطينى، وبسط سيطرته العسكرية على المنطقة العربية بالتهديد أو التلويح بالقوة. الحقيقة الثانية أن ذلك الكيان مدعوم بشكل مطلق من قوى دولية على رأسها أمريكا، التى قامت مؤخرًا باستخدام حق الـ«فيتو» فى مجلس الأمن لتعطيل حصول فلسطين على عضوية كاملة فى الأمم المتحدة بصفتها دولة مستقلة معترفًا بها.

ولا تخدع تلك التمثيليات الصغيرة التى يقوم بها الرئيس الأمريكى مع قادة إسرائيل، التى يدعون فيها أن ثمة خلافات بينهم بهذا الشأن أو ذاك. والحقيقة أن اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية على عضوية فلسطين الكاملة يعنى نظريًا منح إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة إبادة الشعب الفلسطينى. ولطالما استخدمت القوى الاستعمارية الإبادة السياسية أولًا قبل الإبادة والاحتلال الفعلى.

وعندما احتل الإنجليز مصر فى ١٨٨٢ وضعوا الأساس النظرى لذلك بادعاء أن الشعب المصرى ليس مؤهلًا للتحضر والديمقراطية، وأنهم بثكنات الجنود والرصاص ونهب ثرواته سيؤهلونه للتحضر. وعندما تنفى أمريكا حق فلسطين فى إقامة دولتها، خلافًا لكل مواثيق الأمم المتحدة، فإنها فعليًا تقول إنه لا يوجد ما يسمى الشعب الفلسطينى.

ومن ثم فإن إسرائيل لا ترتكب أى مجازر، لأنه لا وجود لذلك الشعب. عادة ما تسبق الإبادة السياسية الإبادة الجماعية. هكذا كان الأمر مع الهنود الحمر، الذين صورتهم أمريكا بصفتهم برابرة، متوحشين، وبعد أن وضعت الأساس النظرى للإبادة قامت بإبادتهم. 

أما عن خطر الحرب الإقليمية أو الدولية، فإننى شخصيًا أستبعد تلك الاحتمالات، رغم خطورة الموقف، وخطورة التصعيد، لأن تلك الحرب ليست فى مصلحة أى طرف. ومواقف القوى الدولية ذات التأثير، مثل الصين وروسيا، لا تتجاوز الإدانة المبدئية للعدوان الاسرائيلى، دون الانزلاق للصراع، وكذلك مواقف معظم الدول العربية، لذلك أستبعد الحرب الإقليمية، والدولية من باب أولى، ويبقى الأمل معلقًا على صلابة الشعب الفلسطينى.