رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الولاية الثالثة.. واستكمال المشروع الثقافى

ونحن نعيش مرحلة ننشد فيها تفعيل عمليات التنمية، بل ونحقق طفرات هائلة في ظل دولة 30 يونيو في دعم البنية الأساسية بإقامة مشاريع عملاقة، لا بد ندرك أنه لا تنمية حقيقية بدون تنمية العقل والوجدان والفكر والذهاب إلى المستقبل بمعطياته..
وعليه، نناشد الرئيس في ولايته الثالثة، وهو أول رئيس مصري طالب بإصلاح الخطاب الثقافي والديني والإعلامي منذ اليوم الأول في ولايته الأولى إلى حد مطالبته بثورة ثقافية ـــ وقد فرضت الكثير من التحديات المعطلة بشكل نسبي لاستكمال مقومات تلك الثورة وذلك الإصلاح الضرورة ــ أن تعاون الرئيس كل الأجهزة المعنية بدعم كل الجهود الفكرية والعلمية والتنويرية لتحقيق مشروع الرئيس لتنمية الوعي وإصلاح عطب عصور سكن فيها الفكر الإرهابي مناطق ضعفنا..
معلوم أن تحقيق تنمية سياسية أو اقتصادية لابد يسبقها أو يواكبها عمل جدي متواصل في مجال دعم كل آليات التنمية للثقافة، اعتمادًا على منظومة تعليمية تدفع في اتجاه إعمال العقل والتفكير والإبداع في كل مراحل تطبيقاتها الحياتية..
معلوم أن النقد في أبسط تعريف له هو تمييز الشيء الثمين من الغث، وهذا التمييز يحدث عادة ضمن إطارات تحكمها معايير علمية وموضوعية، بعضها طبيعي تقليدي وأخرى عبر الدراسة الأكاديمية أو الخبرة القرائية المتكونة من توالي الاطلاع على خبرات نقدية سابقة لفنون أدبية كثيرة في عصور مختلفة لكتّاب ومؤلفين متعددي المشارب والاتجاهات الأدبية الإبداعية..
قد يبدو غريبًا لو عقدنا مقارنة بين حالنا في زمن محدودية إتاحة التعليم والقيود التي كانت لا تسمح بتوفير بنية تعليمية وتربوية وإبداعية معقولة، ومع ذلك كانت لنا ريادة إقليمية وعربية في الثقافة والفكر التنويري والتعليم، والآن وبعد توفير المزيد من فرص الاتاحة ببناء آلاف المدارس والبنية الأساسية للأجهزة والمؤسسات الثقافية والإعلامية،  نعاني ـ للأسف ــ من آثار بقايا الأمية النسبية الثقافية وانتشار المزيد من مظاهر الدجل والفهلوة والجهل  !!والتدين المظهري!!
وعليه، نحن في احتياج لتفعيل آليات تطبيق فكر علمي وموضوعي والأهم نقدي وابتكاري نبث أدواته وأمثلته لشبابنا، وليس المطلوب الآن تثوير ذلك الفكر النقدي لصياغة معارك قد تكون ذات جاذبية إعلامية تجارية للشهرة والتلميع الغير مستحق لبروزة أدعياء المهنية الكاذبة.. 
نحن في حاجة إلى فكر نقدي وطني مخلص فاعل يساهم، بل ويدفع جهود التنوير للتفعيل والإضافة إلى رصيد أهل الإصلاح والتنوير الأوائل، فلولا خطواتهم الأولى ما كان لنا أن نحلم بخطوات جديدة عبر مراحل بناء وتأسيس الفكر النقدي في بلادي، كان النقد والحركة النقدية خير داعم وميسر لأجيالنا لقراءة العمل الإبداعي وسبر أغواره وفهم دلالات عناصره وأدواته والمدارس الإبداعية التي ينتمي إليها..
وعليه، نأمل أن نكون قد تجاوزنا مرحلة تجاهل أهل الإبداع الحقيقي في ظاهرة  سبق ونبه إليها الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي عندما قال غاضبًا "إن التجاهل لمدرسة نقدية كاملة تخفي خلفها عدم معرفة وسوء نية".
والمشكلة التي تعاني منها الحركة الفنية والإبداعية أن النقاد الكبار كما يُطلق عليهم قد يكونون قد توقفوا عن المتابعة والقراءة، بمعنى أنهم توقفوا عن أن يكونوا نقادًا وعن ممارسة الفكر النقدي.. 
إن افتقاد الساحة النقدية لوجود الأساتذة والنقاد الكبار جعل من المتعذر على المبدعين الذين لا يجيدون فن العلاقات العامة ولا يمارسون النفاق، أن ينالوا ما يستحقون من تقدير ووجود على ساحات ومنابر الإبداع!!..
تعالوا نمارس الخلاف الخلاق والنقد البناء والحوار الجدلي الرفيع، ولنترفع عن الدفع في اتجاه محاولات الإقصاء المتبادل بين المتنافسين في الحياة الثقافية في مصر، وهذه مصيبة ينبغي تداركها..
يتلاحظ افتقاد الناقد الممارس للاستناد لمرجعيات علمية معتمدة، والذي تسوقه المشاعر والانفعالات الوقتية الزائفة بعيدًا عن ضرورة إعمال المنطق.. أما الأمر الأغرب عينة من النقاد نراهم وقد تصلبت مواقفهم رغم اكتشافهم ما يضعف ما استندوا إليه من قرائن!!
كان لي شرف استضافة المفكر والأستاذ الأكاديمي والمفكر الناقد الراحل الدكتور صلاح فاضل رئيس المجمع اللغوي السابق  عبر حلقة هامة من برنامجي "ستوديو التنوير"، وقد ذكر أن طاقة الإنسان الإبداعية هي كل لا يتجزأ، قال: "في مطلع حياتي، عندما كنتُ طالبًا، مارستُ كتابة الشعر والقصة، لكن وعيي النقدي كان أشد حدة من طموحي الشعري، فسألتُ نفسي وأنا ما زلت في العاشرة من عمري، وكان شاعري المفضل صلاح عبدالصبور بعد أحمد شوقي: هل يُمكن أن ترقى بهذا الشعر إلى مستوى "شوقي" و"عبدالصبور"؟ كانت إجابتي قاطعة، فقررت أن أئد موهبتي الشعرية، وقتلتها قتلًا، وأعتقد أنني بذلك أعفيت القراء من كثير من الشعر الرديء أو المتوسط على الأقل"..
إذن هل حقًا كما يُقال إن "الناقد مبدع فاشل" ؟ يختلف "فضل" مع تلك المقولة، يعتبرها "فضل" عبارة مغلوطة، لأن في رأيه أن الناقد لديه موهبة إبداعية وموهبة في النقد لكنه صريح مع نفسه، ويعي مستوى قوته وضعفه، ويستطيع أن يضع حدًا للتجارب الفاشلة، وكثير من أنصاف المبدعين قد انتبهوا إلى ذلك، وقليل جدًا من الموهوبين العظماء الذين تتوفر لهم الملكة المزدوجة في النقد والإبداع معًا..