رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحو تنمية صناعية لا مركزية

التنمية الصناعية اللامركزية تعتبر من الاستراتيجيات التي تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر توزيع النشاط الصناعي والإنتاجي على نطاق واسع في البلدان. وقد أظهرت الأرقام والتجارب الدولية أهمية هذه الاستراتيجية في تعزيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتقليل الفوارق الاقتصادية بين المناطق الحضرية والريفية.

أحد الأمثلة البارزة للتنمية الصناعية اللامركزية هو تجربة الصين في تعزيز النمو الاقتصادي في المناطق الريفية. يعتبر برنامج الانتقال من الزراعة إلى الصناعة في الصين واحدًا من أهم السياسات التي تسعى لتعزيز التنمية الاقتصادية في المناطق الفقيرة والنائية. وقد أسفرت هذه السياسة عن تحسين معيشة الملايين من السكان الريفيين من خلال خلق فرص عمل جديدة وتوفير إمكانية الوصول إلى المنتجات الصناعية والخدمات.

ووفقًا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، يعمل أكثر من 40% من القوى العاملة العالمية في قطاع الزراعة، ولكنه يسهم فقط بنحو 3% من الناتج العالمي. وهذا يعكس عدم توازن التنمية الاقتصادية في القطاع الصناعي. ومن خلال تعزيز النشاط الصناعي في المناطق الريفية، يمكن تحويل عمال الزراعة إلى القطاع الصناعي وزيادة مساهمتهم في الاقتصاد.

وتشير التجارب الدولية إلى أن التنمية الصناعية اللامركزية تسهم في تقليل الفوارق الاقتصادية بين المناطق الحضرية والريفية. ففي العديد من البلدان، يعاني الريف من نقص في الفرص الاقتصادية وتقديم الخدمات الأساسية، مما يؤدي إلى هجرة السكان إلى المدن بحثًا عن فرص العمل والحياة الأفضل. وباعتبارها استراتيجية تهدف إلى توسيع النشاط الاقتصادي في المناطق الريفية، فإن التنمية الصناعية اللامركزية تسهم في تحسين الظروف المعيشية في هذه المناطق وتقليل الهجرة.

وتعمل عدد من البلدان الأخرى على تنفيذ استراتيجيات التنمية الصناعية اللامركزية. على سبيل المثال، تعمل الهند على تطوير مناطقها الصناعية الريفية وتشجيع التجارة المحلية لتحقيق التنمية الشاملة. وتركز تجربة غانا على تعزيز الصناعات المحلية من خلال دعم ريادة الأعمال وتوفير البنية التحتية اللازمة. ويتجلى نجاح هذه الاستراتيجيات في تعزيز النمو الاقتصادي وتقليل الفقر في هذه البلدان.

وفي مصر هناك فرص هائلة لتبني استراتيجية التنمية الصناعية اللامركزية لما تحظى به مصر من تنوع كبير في موارد المحافظات، فلكل محافظة مصرية تميزها وخصوصيتها في الإنتاج الزراعي والموارد الطبيعية القابلة لتصنيع.

وبتحليل أوضاع الصناعات والموارد في مختلف المحافظات المصرية. نجد وبوضوح العديد من المحافظات النائية والمتوسطة التي تمتلك إمكانات ضخمة وموارد طبيعية غنية ولا تزال غير مستغلة بشكل كامل مما قد يضع هذه المحافظات تحت تصنيف المحافظات الأكثر فقرًا بالرغم مما تمتلك من موارد كبعض محافظات الصعيد والمحافظات الحدودية.

ولكي يتم تنفيذ هذه الاستراتيجية يجب على الحكومة الاستثمار في تطوير القوى العاملة من خلال تعزيز التعليم المهني والتدريب الفني اللامركزي لتلبية احتياجات الصناعة المحلية في كل محافظة وبناءً على مواردها ووضع سياسات واضحة لجذب الاستثمارات في الصناعات الوطنية بشكل لا مركزي، وتقديم حوافز للشركات التي تعمل في المحافظات النائية.

بخلاصة، فإن التنمية الصناعية اللامركزية تعتبر استراتيجية مهمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر. وتعزز هذه الاستراتيجية النمو الاقتصادي وتوفر فرص العمل وتقلل الفوارق الاقتصادية بين المناطق الحضرية والريفية. ويمكن استنتاج ذلك من خلال الأرقام والتجارب الدولية التي توضح تأثير هذه الاستراتيجية في تعزيز التنمية وتحسين جودة الحياة للمجتمعات المحلية.