رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لنتجنب الخطر الأكبر

على يقين أنا، أننى أبعد ما يكون عن الشخصية الإرهابية. فأنا عندى المناعة الكبرى التى تمنعنى من الانضمام إلى جيوش الإرهاب، بمختلف أنواعها. 
       أنا على يقين، أننى لن أمسك بأى سلاح لتخويف أو تهديد آخرين. فكل الدوافع الإرهابية لا تجد داخلى طعامها وشرابها ومسكنها. 
  وأعلم تمامًا أننى أعيش فى عالم، تُضخ فيه الدماء الإرهابية، كما تُضخ الماء فى عروق الظمأ. عالم يحب رؤية الرءوس المقطوعة، والرقاب المذبوحة، عن رؤية الحدائق والبحور. عالم يطربه أنين الموجوعين، واستغاثة الخائفين، وآهات المتألمين. 
    عالم يتفاخر فيه البعض بقدرته على تجويع وحصار الناس الآمنين. يمزق ملابسهم، كما يمزق الأوراق القديمة، وهم بلا سلاح يضمن لهم، ولو حتى الاختباء تحت سقف آمن. 
   البعض يسمى القتل والذبح والاغتصاب والتشريد والتهديد، رجولة وكرامة وشرفا. هل نسمى الصياد المفخخ بالسلاح وهو يصطاد طائرا ضعيفا، لا يملك شيئا للدفاع عن نفسه، إنسانا ماهرا بارعا، يتقن الرماية، ويجيد إصابة الهدف؟؟. 
 إن كل هذه الأنواع وغيرها، من الشرور الدموية، ناتجة عن أصل واحد، وهو "كراهية الإنسان لنفسه "، و"عدم إيجاده لهدف يعيش من أجله". 
    القاسم المشترك بين كل أصحاب الإرهاب والشرور أنهم "بلا هدف للحياة"، كل ما لديهم هو "أهداف للموت". 
منْ يحب نفسه، ولديه دوافع للحياة وانتظار الغد الأفضل، يستحيل أن يصبح شريرا وإرهابيا. 
  ولهذا السبب، أنا بعيدة كل البعد عن المكون الأصلى للإرهاب والشر.         

     فأنا أحب نفسى كثيرًا جدًا، وبالتالى أحب الحياة. هذا كل ما أمتلكه، وهو ثروة كبرى أزهو بها.. أحب نفسى، أثق فى قدراتها، أؤمن بها. 
   حب النفس، ليس فقط، فضيلة كبرى. بل هو أيضًا، الذى يجعل الفضائل الأخرى ممكنة. 
  كل أنواع الحب الأخرى، هى امتداد، لحب النفس. إذا لم أحب نفسى، فكيف أحب الآخر؟؟. 
  إذا لم أتواصل مع ذاتى، فكيف أتواصل، مع الآخر؟. وهذا كلام منطقى. فكيف للإنسان، الذى يكره نفسه، التى هى أقرب الأشياء إليه.

 إن العجز عن حب أنفسنا هو "إعاقة"، حقيقية، رئيسية، تمنع التفاعل الإيجابى، الصحى، السوى، مع الحياة ومع البشر. 
  وإننى مقتنعة جدًا بأن الشرور التى أصابت البشرية، على مدى تاريخها، كانت على أيدى ناس عجزوا عن حب أنفسهم. وهذا العجز مؤلم.. ويحتاج باستمرار إلى مسكنات، للتخفيف عنه. 
     هذه المسكنات، تتباين فى أشكالها، ودرجاتها. بدءًا بميول التعصب، والعنصرية، والتسلط، والعنف، والاستغلال، والتدمير، والتخريب، والحروب، والإرهاب. 
    هذه هى "الروشتة" التى تتستر على "الرذيلة" الكبرى - كراهية النفس.. "كراهية النفس". 
       والعكس صحيح. كل أنواع "الخير" الذى حققته البشرية، كان بسبب، نساء، ورجال، يفتخرون بذواتهم، وأحبوا أنفسهم، واجتهدوا، لمد هذا الحب، إلى اكتشافات، وإنجازات، تعود على الناس، بالفائدة، والسعادة.
   داخل كل إنسان "ذات" متفردة، كبصمة الأصبع. هذه الذات، هى "الأصل".. هى "الطاقة".. هى "البصيرة"... هى "الإلهام".... هى "سرنا"... هى "قوتنا"... هى "شفاؤنا". 

  هى "البدء".. هى "المنتهى"..  حب النفس، إذن، هو أداة "ثورية"، تمدنا، بالعطاء الخير، والتفاؤل، الناضج. 
لنبتعد عن كل الذين يكرهون أنفسهم، لأنهم الخطر الأكبر علينا وعلى الحياة.  
  لا عجب أن كل الإرهابيين، قديما وحديثا، يستسهلون الموت، وتفجير أنفسهم، فلا شىء يعنى لهم شيئا. فقد عجزوا عن البداية السليمة لكل أشكال الحب، والتعايش، والتعاون.
                       
   من بستان قصائدى 
------------------------------------                                                             
            
 أهل النهى عن المنكر 
والأمر بالمعروف 
فى كل مكان يتكاثرون
يريدون أن يصبحوا 
دولة داخل الدولة  
باسم الأخلاق 
وعفاف الكلمات فوق الحروف 
    فى كل مكان حولنا 
  بيننا وفوقنا ومن تحتنا 
يحددون نوع الطعام والشراب
يختلطون بالماء والتراب والهواء 
يندسون بين الملاءات والثياب   
يذبحون ويجلدون النساء  
يرجمون ويحرقون 
يحرمون الاختلاط 
والرقص والغِناء  
صباحا فى المساجد 
زهاد أتقياء وعاظ 
وبالليل يعربدون فسادًا 
من تحت الموائد