رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هكذا هربت الروائية الإيطالية جراتسيا ديليدا من واقعها الاجتماعي بالكتابة

جراتسيا ديليدا
جراتسيا ديليدا

جراتسيا ديليدا، الكاتبة الروائية الإيطالية، وواحدة من أوائل الفائزات بجائزة نوبل العالمية للآداب، والتي حصلت عليها عام 1926، يتزامن تاريخ اليوم مع مرور الذكرى الــ87 على رحيلها عن دنيانا.

من أشهر أعمال جراتسيا ديليدا، روايتها المعنونة بـ “الهروب إلي مصر”، والتي نشرت قبل حصول مؤلفتها علي جائزة نوبل، تحديدا في العام 1925، والتي تربط فبها بين لجوء العائلة المقدسة إلي مصر ببطل الرواية.

بالإضافة إلي رواية “الهروب إلي مصر”، كتبت الروائية الإيطالية جراتسيا ديليدا، العديد من الروايات نذكر من بينها: “الأم”، “قصب في مهب الريح”، “إلياس بورتولو”، “رماد”، “ما بعد الطلاق”، “كوزيما”، “الأرانب البرية”، “طريق الشر” إلي غير ذلك.

محطات في مسيرة جراتسيا ديليدا

في كتابه “نساء نوبل”، يذكر الكاتب دكتور خالد محمد غازي، أن جراتسيا ديليدا، هي المرأة الثانية في قائمة الفائزات بجائزة نوبل للآداب، وكان لحصولها علي الجائزة رد فعل كبير بين الأوساط الأدبية والنقدية، لأن  جراتسيا ديليدا، اشتهرت بأنها تكتب ما يسمي بــ “أدب التمرد علي الواقع الاجتماعي”، وكتابة مثل هذا الأدب يسبب معاناة نفسية كبيرة لمن يقرأه أكثر من مجرد المتعة الناتجة عن الاستمتاع بقراءة عمل أدبي يتسم بالجمال الحسي أو المعنوي.

ويلفت “غازي” إلي أن رغم حرمان جراتسيا ديليدا من استكمال التعليم إلا أنها كانت ذات خيال خصب، ومنذ طفولتها كان لديها ولع ونهم شديد للقراءة، ولنبوغها وخيالها الخصب شجعها والدها في هذه الفترة المبكرة من حياتها علي أن تمضي قدما نحو حب المعرفة والثقافة.

وقد بدأت جراتسيا ديليدا بقراءة القصص والروايات التي كانت تنشرها الصحف والمجلات المحلية، ثم اتسعت دائرة قراءاتها تدريجيا، وكانت أمنيتها منذ الصغر أن تكون كاتبة وشاعرة، وقد كانت أولي محاولتها في كتابة الشعر والقصة وهي في السابعة عشرة من عمرها، وكانت ترسل إنتاجها الأدبي إلي الصحف المحلية، وقد نشرت أولي رواياتها علي حلقات في إحدي الصحف المحلية وهي في سن الــ 25 من عمرها. وتأثرت في هذه الفترة بالكثير من الأدباء من أمثال: شاتوبريان، فيكتور هيجو، بلزاك، ومن الأدباء الإيطاليين كاردوتشي، بالإضافة إلي الأدباء الروس وكان تأثيرهم واضحا في روايتها “البحر الأزرق” المنشورة عام 1890، ومن بعدها أصدرت روايتها “أرواح شريرة” عام 1896 والتي كتب مقدمتها مواطنها الكاتب روجيرو بونجي.

جراتسيا ديليدا تهرب بالكتابة من رغد العيش

ويشدد “غازي” علي أن: جراتسيا ديليدا، لم تتجه إلي الكتابة إلا هربا من رغد المعيشة في أسرتها الميسورة، حيث اكتشفت أن القيم الأخلاقية ليست علي ما يرام هناك لذا اهتمت بحياة الرعاة، وراحت تتأملهم عن قرب، كما كان وجودها الدائم في مكتبة الأسرة بمثابة هروب آخر. حيث اهتمت بالروايات المسلسلة، والشعر العاطفي، وروايات الفروسية، وهو ما خلق لديها معاناة نفسية بشكل خاص، وهو ما انعكس بشكل واضح في روايتها الشهيرة “الأم”، وهي الرواية التي أشارت إليها لجنة نوبل في حيثيات حصولها علي الجائزة، ويدور موضوعها حول رهبانية القسس، وهي ليست رواية أحداث بقدر ما هي رواية أزمات نفسية عاشتها أم القسيس “باولو”، حين اشتبهت في أن ابنها ارتكب الخطيئة مع الأرملة “آنييس”.

كانت جراتسيا ديليدا، غزيرة الإنتاج فقد صدر لها أكثر من خمسين كتاب تضم الأعمال الإبداعية التي تشمل أشعارها وقصصها ورواياتها، وفي هذا الإنتاج الغزير، تبدو فيه متعلقة أكثر ما يكون التعلق بالطبيعة، ولكنها مع ذلك كانت شديدة الإيمان بالله، متعاطفة مع البشر في خيباتهم وكبواتهم.

يمكن القول إن المعاناة في حياة جراتسيا ديليدا، تظهر من خلال محاولاتها المستمرة في الهروب من واقعها الاجتماعي، فالنقاد اتفقوا علي أن حياتها بمثابة مجموعة من حالات الهروب، وهذه المحاولات المستمرة للهروب هي في حقيقة الأمر ما شكل حالة المعاناة عندها، وانعكس علي مسار حياتها، ثم انعكس بالتالي علي أدبها وإبداعها، فكل ما كتبته من إبداع يمكن اعتباره شكلا من أشكال السرد الأدبي الذي يعكس حالة من المعاناة النفسية.