رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر والسلطنة.. علاقة ود ممتدة

انتهت فاعليات مؤتمر القمة العربية في جدة، بحضور عدد كبير من قادة وزعماء الدول العربية وبتنظيم محكم قامت عليه الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والخارجية السعودية، وقد تكللت القمة بعدد من المخرجات التي تبقى في حد ذاتها دليلًا على وجود كيان عربي واحد، بما يعزز آمال الطامحين لمزيد من التفاهم والتنسيق والتعاون العربي المشترك في كافة المجالات. 
ورغم الاختلافات– ولا نقول الخلافات- السياسية التي صارت تعد أمرًا طبيعيًا في علاقات الدول وفقا لتوجهات كل منها ومصالحها، إلا أن مجرد استمرار آلية القمة بهذه الدورية والانتظام يبعث على الطمأنينة، ويمنح دعاة القومية العربية المزيد من الأمل بأنه سيأتي اليوم الذي يتحقق فيه حلمهم القديم بالوحدة، أو الجديد بمراعاة المصالح القومية مع احترام الثوابت الوطنية.
 وفي ذات السياق تبقى العلاقات الثنائية المشتركة بين الدول العربية مؤشرًا ونموذجًا يدل على إمكانية وجود علاقات عربية– عربية شاملة تقوم على الاحترام المتبادل وتبادل المصالح، وفي هذا الإطار تسعد مصر باستضافة جلالة السلطان هيثم بن طارق سلطان عمان، ردًا على الزيارة التي قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى مسقط أواخر يونيو من العام الماضي.
ومنذ اعتلى جلالة السلطان هيثم بن طارق سدة الحكم في يناير من عام 2020 مضت العلاقات  الثنائية بين مصر وعمان في ذات المسار الذي تأسس قبل 50 عامًا من الاحترام المتبادل والدعم والمساندة، فجاء احتفال الدولتين بمرور نصف قرن من تلك العلاقات في نوفمبر من العام الماضي، لتصبح تلك العلاقة نموذجًا يحتذى على مسار العلاقات العربية– العربية. 
ولهذا التفاهم أسبابه التي لا تخفى على معنّي بشأن العلاقات الدولية، قد ظلت الثوابت التاريخية للسياسة الخارجية لكلا الدولتين تتمثل في عدم التدخّل في شئون الآخرين والاهتمام بدعم الأمن والاستقرار في المنطقة، والقيام بدور مهم في هذا الجانب كلٌّ في مجاله وبطريقته، وهو ما عزّز العلاقات بين الشقيقتين وعمل على تمتينها.

فقد حرصت سلطنة عمان عبر مسيرتها الدبلوماسية الطويلة على دعم مساحات الحوار بين الأطراف المتنازعة دوليًا وإقليميًا وعربيًا وهو ذاته الدور التاريخي الذي تؤديه بحنكة مدرسة الدبلوماسية المصرية العريقة. 
وبعيدًا عن الجانب السياسي في علاقة مصر بسلطنة عمان يبقى الجانب الإنساني، فقد أثبتت العلاقات الشعبية بين مواطني الدولتين حبًا واحترامًا متبادلًا وتقديرًا عمانيًا كبيرًا للدور الذي قامت به مصر في نهضة عمان من خلال المعلم المصري، الذي كان إضافة لحركة النهضة العمانية الشاملة التي وضع أسسها جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد رحمه الله، ويدعمها بقوة جلالة السلطان هيثم بن طارق. 
وفضلًا على الجانب التعليمي كانت مصر داعمة بقوة لمسيرة الإعلام الوطني العماني بصحفيين وإذاعيين أسسوا مع أشقائهم من رواد العمل الإعلامي العماني مسيرة إعلامية مهنية ناجحة، فهناك مثلًا الإذاعي الكبير محمد مرعي الذي عمل مستشارًا لوزير الإعلام العماني للشئون الإذاعية، وتوالت أسماء الإعلاميين والإذاعيين المصريين الذين قدموا خبراتهم للإعلام العماني بمحبة وكفاءة أمثال: صبري صبيحة، زكريا شليل، محمود المسلمي، أحمد وهدان، صبري ياسين.
وعلى الجانب الصحفي هناك أسماء قدمت جهدا مشكورًا وطّد مسيرة العلاقات الثنائية وسعى لدعم الجهود الدبلوماسية والسياسية بين الشقيقتين من هؤلاء: الأديب والصحفي الكبير محمد جبريل الذي ترأس تحرير جريدة الوطن لمدة تسع سنوات. فضلًا على تجربة ناجحة للصحفي هيثم الغيتاوي صاحب كتاب فلسفة الحياد العماني، والذي قدم فيه توثيقًا موضوعيًا لتحديات "الدبلوماسية الهادئة" للسلطنة خلال نصف قرن، حيث لخّص الكتاب مسيرة الدبلوماسية العمانية التي تقوم على الحياد واحترام الآخر.
يبقى أن نقول إنه على الرغم من زيادة مستوى التبادل التجاري بين الدولتين لما يقرب من 52% بالمقارنة مع العام 2021- حيث بلغ حجم التبادل التجاري ما يقرب من مليار وتسعة ملايين جنيه مصري، إذ بلغت الصادرات المصرية إلى سلطنة عُمان حوالي 433 مليون دولار، في حين بلغت الواردات المصرية من سلطنة عُمان حوالي 760 مليونا– إلا أن هذا الحجم من التبادل التجاري مازال لا يرقى إلى مستوى الطموح وبما يعكس متانة وعمق العلاقات بين الدولتين. وعلى هذا فنحن نتمنى بل ونتوقع أن تعكس هذه الزيارة اهتمامًا أعمق بملف التبادل التجاري بتوقيع المزيد من مذكرات التفاهم على صعيد الاقتصاد والتجارة والاستثمار المشترك بمستويات ترقى لتلك العلاقات الثنائية بين دولتين تمثلان نموذجًا لما نتغنى به من علاقات عربية- عربية تنتهي إلى تحقيق مصالح كل الأطراف في إطار من التفاهم والاحترام المتبادل، ولمن يرى استحالة تحقيق الحلم العربي الذي يحلم به القوميون العرب أقول: انظروا لعلاقات القاهرة ومسقط؛ لتتأكدوا أننا لا نحلم، ولكننا ننظر إلى واقع نريد تعميمه بين كل الأشقاء العرب.