رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التحدى والطريق

 

 

فى تصريحات أخيرة قال نائب رئيس البنك الدولى إن مصر تواجه تحديات اقتصادية فى الفترة الراهنة.. المسئول الدولى قال إن الشرق الأوسط كله يعانى من تباطؤ النمو.. لن تزيد نسبة النمو فى أى دولة على ٣٪ فقط.. بما فى ذلك الدول ذات الميزانيات العملاقة وتلك التى استفادت من ارتفاع سعر النفط.. يقول المسئول الدولى إن الأزمة عامة ولكن الدول التى تنتج الطاقة نجت من آثارها لأن الأزمة صبت فى صالحها.. ومع ذلك فإن النمو الاقتصادى فيها سيتباطأ.. بالنسبة لمصر ودول شمال إفريقيا فإنها للأسف دول مستوردة للطاقة وبالتالى فإن الأزمة لديها أكبر وربما تحولت لتحدٍ على حد تعبيره.. ومع ذلك فهو يرى أن الحل فى مواصلة الإصلاحات.. وهو ما تفعله مصر بالفعل وفق حساباتها الخاصة.. مصر اختارت منذ ٢٠١٤ أن تسير فى الطريق الصعب.. اختارت أن تستجيب لقدرها وأن تتحول لرقم كبير يليق بإمكاناتها.. كلما كان الهدف كبيرًا كانت التحديات كبيرة.. وكلما اخترت طريقًا سهلًا كانت التحديات أقل.. لو ضربنا مثلًا بشخصين، أحدهما يختار أن يعلم أبناءه أفضل تعليم ممكن وأن يصقل شخصياتهم وأن ينمى مهاراتهم، بالمقارنة بشخص آخر لا يريد سوى أن يطعمهم فقط.. الشخص الأول عليه أن يبذل جهدًا فى توفير مصاريف التعليم واشتراكات الأندية وثمن الكتب.. هو يتحمل هذا لأن لديه حلمًا لأبنائه.. يريد أن يراهم فى مكانة لائقة.. الشخص الذى يريد أن يطعم أبناءه فقط لن يواجه أى تحديات.. يكفيه أن يحولهم لمتسولين.. سيأكلون بالفعل منذ أول يوم.. لكنهم سيعيشون حياة مهينة وغير آدمية.. سيُحرمون من التعليم والثقافة والأمل فى المستقبل.. سيعيشون حياة أقرب للبهائم.. يُشبعون غرائزهم فى الطعام والتكاثر دون أن يعرفوا ما هى الحياة الحقيقية لأن أحدًا لم يستثمر فى تعليمهم.. الشخص الذى اختار تعليم أبنائه قد لا يجد من يساعده.. قد يجد من يقنعه بأن يحول أبناءه لمتسولين ويختصر الطريق على نفسه وعلى الآخرين.. قد يقابل من يقول إنه يريد مساعدتنا لكى يصبح أفضل منا.. وأبناؤه أفضل من أبنائنا.. لذلك لن نساعده! ليس كل الناس يفكرون بهذه الطريقة لحسن الحظ.. ولكن بعضهم يفكر هكذا.. مصر فى هذا العهد هى الأب الذى اختار أن يعلم أبناءه.. حمّل نفسه فوق طاقته كى يستثمر فى المستقبل.. استدان كى يرى أبناءه وأسرته فى المكانة التى يستحقونها.. خطة رب الأسرة هنا أن يمول تعليم أبنائه حتى يصل لمرحلة جنى الثمار.. يعملون بأجور مجزية ويسددون ديون الماضى وينطلقون نحو المستقبل.. أتت الرياح بما لا تشتهى السفن بكل تأكيد.. أزمة عالمية ممتدة وشاملة ومؤثرة على الجميع بنسب متفاوتة.. طبيعى أن تظهر أصوات تلوم الأب على اختياره وطموحه لأسرته.. طبيعى أن يظهر من يدّعى الحكمة بأثر رجعى.. طبيعى أن يشك البعض فى كيفية إنفاق الأب على تطوير أسرته.. طبيعى أن يستغل البعض الفرصة للتشكيك أو تصفية الحسابات.. إلخ.. لكن الحقيقة أن ظهور التحديات لا يعنى النكوص عن الطريق.. ربما كانت التحديات دلالة على أننا نسير على الطريق الصحيح.. لا نقايض على أمننا وثوابتنا ومكانتنا فى المنطقة.. نرفع شعار: هى أشياء لا تشترى.. ليس أمامنا إلا أن نتكاتف ونواصل الطريق.. كل نكوص عن الطريق فى مصر ندفع ثمنه غاليًا جدًا.. صدمتنا النكبة فدخلنا فى تحولات حادة انتهت بعد عشر سنوات باغتيال الرئيس وبأزمة شاملة فى كل المجالات.. وقتلنا الملل فى الألفية الثانية وشكونا من فراغ السلطة وعدم التغيير ونمو الفساد.. لكن النتيجة النهائية للتغيير فى ٢٠١١ لم تكن إيجابية.. الآن تواجهنا أزمة اقتصادية وتحديات كبيرة لكن علينا أن نبدى مزيدًا من التصميم على مواصلة الطريق لأن النكوص عنه هو حلم الإرهابيين وأعداء هذا البلد.. كلما كانت التحديات كبيرة كان هذا دليلًا على صحة الاختيار.. ربما.