رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«وإذا الموءودة سئلت».. «الدستور» تحقق في فوضى عمليات الإجهاض (تحقيق)

أرشيفية
أرشيفية

داخل حجرة ضيقة في بناية بمنطقة كرادسة التابعة لمحافظة الجيزة، كانت تدخل فتيات عاديات تتراوح أعمارهن من 17 إلى 25 عامًا، ويخرجن ممسكن ببطونهن، ومن بعدها يُسمع أهالي المنطقة نباح كلاب شرسة وأدخنة تخرج من تلك البناية دون أن يعرف أحد ماهية الذي يحدث في ذلك العقار.

ارتاب أهالي المنطقة فيما حدث بشكل متكرر، فما كان من أحد عمال القهوة المجاورة ثم إبلاغ مركز شرطة كرداسة، وبمجرد حضور النيابة العامة كشفت قيام طبيب نساء وتوليد صاحب مركز ولادة خاص، بإجراء عمليات إجهاض للسيدات ويتخلص من الأجنة حرقًا أو بإلقائها للكلاب.

الإجهاض في مصر قضية جدلية منذ سنوات، بين تحريمه وتدشين القوانين لتجريمه، إذ تجرم مصر قانونًا عمليات الإجهاض، ورغم ذلك لازالت هناك مراكز غير مرخصة يديرها أطباء يقومون بتلك العمليات المخالفة وبعيدًا عن أعين الرقابة.

ذلك ما كشفته "الدستور" في التحقيق التالي من خلال البحث خلف أوكار عمليات الإجهاض ومعرفة التفاصيل والأسعار والاتفاق مع السماسرة الذين يديرون تلك العيادات وكذلك تناول أطراف القضية كلها من الناحية الدينية والقانونية.

قُبض على طبيب كرداسة واعترف أمام النيابة العامة بأنه احترف ذلك النشاط لكسب أموال غير شرعية، وإدارة العيادة بمساعدة آخرين، وقرر قاضي المعارضات بمحكمة جنح الجيزة تجديد حبس المتهم 15 يومًا علي ذمة التحقيق.

الإجهاض هو خروج الجنين من رحم الأم قبل اكتمال نموه بحيث لا يستطيع العيش خارج الرحم ولا داخله، أي قبل بداية الشهر السادس أو قبل اكتماله تمامًا، ويحدث خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل.

 "الدستور" تعقد اتفاق لإجراء عملية إجهاض.. الأسعار تصل إلى 20 ألف جنيه

بداية خيط البحث كانت من مواقع التواصل الاجتماعي، التي تشمل صفحات ومجموعات سرية لإجراء عمليات الإجهاض للفتيات وتروج لنفسها علنًا، رصدنا عدد منها أحد الصفحات أعلنت وقف العمليات في الوقت الحالي بسبب ما أسمته تشديد الرقابة على خلفية واقعة طبيب كرداسة.

ولكن في محتواها السابق كتبت: "أرخص عمليات إجهاض في مصر وبسرية تامة بيتم الإجهاض بالليزر وجرعات لتفتيته حتى الشهر الثالث"، ولديها كذلك أنواع من تلك العمليات شملت: "شفط هوائي، تفتيت بالحرارة، تفتيت بالليزر"، مؤكدًا صاحب المجموعة أن لكل واحدة سعر.

وفي مجموعة سرية أخرى دخلناها تسمى "عمليات إجهاض" كان هناك إعلانًا بأن العمليات تتم على يد أطباء نقابيين يعملون في مستشفيات عادية ويعتبر ذلك عمل ثان لهم في المساء داخل عيادات ومراكز (عقارات).

تشكننا ربما تكون تلك الصفحات غير سليمة أو يقوم عليها مراهقون، لذلك بادرنا بالحديث مع إحداهن وإجراء اتصال هاتفي مع أخرى، لمعرفة الأسعار والاتفاق على عملية وهمية والتأكد من انتشار تلك التجارة غير القانونية.

في البداية توصلنا مع أحد المكاتب الخاصة بعمليات الإجهاض في منطقة فيصل، وأخبرته محررة الدستور أنها حامل في جنين في الشهر الثاني، فكان أول سؤال لها: "حضرتك في الأسبوع الكام؟"، فأخبرناه في الأسبوع الثالث من الشهر الثاني.

عقب ذلك بدأ يستفسر عن الوزن والطول، مؤكدًا أنهما أساسيان في عمليات الإجهاض، وكذلك عن العمر مبينًا أن العملية يتم تحديد سعرها بعد التحاليل، وكذلك استفسر عن كونها أول مرة أم لا ما يدل على أنها عمليات رائجة.

وعن الأسعار قال أنها تبدأ من 12 ألف حتى 20 ألف، مضيفًا: "العملية بتتعمل في مركز في فيصل أو مستشفى خاص حسب اختيارك، والموضوع حساس والعمليات دي قانونًا ممنوعة وإحنا كنا موقفين لفترة طويلة".

 

إلى هنا تم إنهاء الاتفاق حتى لا يتم التورّط قانوناً مع ذلك الشخص.

قمنا بتجربة أخرى من خلال التواصل مع أحد تلك الصفحات، والذي أكد إمكانية إجراء العملية بدون أي ورق سواء بطاقة شخصية أو قسيمة زواج، بل وبادر بالسؤال إذ كان هناك زواج أم لا، وحين أجبنا بالنفي لم يغير من الأمر شيء.

وبدأ يستفسر عن الوزن والعمر وهل تم تناول حبوب منع الحمل من قبل أم لا، مبينًا أن العملية هتتكلف 15 ألف جنيه طالبًا رقم هاتف من أجل التواصل وإرسال التحاليل المطلوبة إلا إننا توقفنا عند هذه النقطة. 

قانونية عمليات الإجهاض في مصر

الإجهاض مجرم في مصر، بموجب المادة 261 من قانون الجنايات المصري، التي تنص على: "كل من أسقط عمدًا امرأة حبلى بضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء، يعاقب بالسجن المشدد".

بينما المادة 262 من القانون نفسه تنص على: "المرأة التي رضيت بتعاطي الأدوية مع علمها بها، أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها، أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها، وتسبب الإسقاط عن ذلك حقيقة، تعاقب بالعقوبة السابق ذكرها".

يؤكد ذلك علي الدندراوي الخبير القانوني، بأن عمليات إجهاض الأجنة بالمستشفيات والمراكز غير المؤهلة لا تزال جرمًا  كبيرًا، تسعى الدولة المصرية جاهدة للقضاء عليها، فقد يعد إجراء تلك العمليات بالمنشآت الطبية غير المؤهلة خطرًا كبيرًا يداهم حياة الأمهات فقد يصل إلى حد الموت كما تردد من أخبار حول حالات الوفاة التى نتجت مؤخرًا في عدد من المراكز الغير معتمدة.

يوضح: "عمليات إجهاض الأجنة يُعاقب عليها قانون العقوبات المصري، فقد نصت المادة رقم 262 على إن المرأة التي رضيت بتعاطي الأدوية مع علمها بها أو رضيت باستعمال وسائل الإجهاض، أو مكنت غيرها من عمل ذلك تعاقب بالسجن المشدد، وإذا كان المسقط طبيبًا يحكم بالسجن المشدد".

ولكن إن كان الأمر يتطلب إجراء عملية إجهاض الجنين لأنه وجود سيمثل خطر على حياة الأم فلابد من إجراء تك العملية بأسرع وقت، بحسب “الدندراوي”: "ولا يعد آنذاك جرمًا يُعاقب عليها القانون، بل يعد بذلك طريقة الحفاظ على روح لتكمل حياتها الطبيعية".

يضف: "الأمر يستوجب نشر الوعي بين النساء من خلال إطلاق ندوات ومبادرات توعوية تسهم في نشر الوعي بمدى خطورة إجراء تلك العمليات بمراكز غير معتمدة،  والعمل على دحض المعتقدات الخاطئة بشكل يعمل على تنوير عقولهم، والقضاء على تلك الظاهرة".

طبيب يوضح خطورة الإجهاض غير الأمان على النساء

ترتفع معدلات عمليات الإجهاض في مصر، بالرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية كافية، فيبلغ معدل الإجهاض في مصر 14.8 % لكل 100 مولود، وفق دراسة أعدها المجلس الدولي للسكان بالتعاون مع الجمعية المصرية لرعاية الخصوبة.

بينما في العام 2015، أعلنت وزارة الصحة إن الإجهاض تسبب في 1.9% من الوفيات المتعلقة برعاية الأمومة، وتعالج مستشفیات وزارة الصحة المصریة كل سنة 336 ألف امرأة من آثار الإجهاض ما يقرب من ألف امرأة یومیًا، إذ أن 65٪ منهن كان إجهاضهن غیر آمن.

خطورة عمليات الإجهاض غير الأمن قد تصل في بعض الأحيان إلى للوفاة، بحسب الدكتور هاني راضي، أخصائي نساء وتوليد، ونائب مدير مستشفى سمالوط، بإن عمليات الإجهاض بالمراكز الطبية غير الآمنة، تمثل خطرًا كبيرًا يداهم حياة السيدات الأمهات اللواتي لا يعيين خطورة هذا الأمر المهلك، فقد يقعن الكثيرات في فخ تلك المراكز والتي يكون لها العديد من التبعات المهددة للحياة.

يوضح إن عمليات إجهاض الأجنة بالمنشآت غير المؤهلة لإجراء تلك العمليات قد تؤثر بشكل كبير على  الحالة الصحية للأم، وتخلف وسائل الإجهاض غير الآمن من النزيف الحاد أو الالتهاب الشديد، والتسمم ‏وانثقاب الرحم والأضرار التي تلحق بالأعضاء الداخلية الأخرى. 

 كما وقد يؤدي إلى حدوث نزيف كبير ممكن أن يودي بحياة الأم، بحسب الطبيب: "كما إن تناول الأدوية وعملية الإجهاض في تلك الأماكن غير الآمنة قد ينتج عنها ضرر كبير على رحم المرأة، منها تلف الرحم الذي قد يصل إلي حد العقم وعدم القدرة على الإنجاب فيما بعد".

ويستكمل: "كما يتنج عن تلك العمليات غير الآمنة دخول ميكروبات وعدوى  بالرحم، بسبب استخدام أجهزة وأدوات غير معقمة تسبب تلف في بطانة الرحم، وحدوث حمى ما بعد النفاس التي ينتج عنها حالات وفاة عدة للأمهات، وتمزقات في الرحم ناتجة عن عمليات الكحت في المراكز غير مؤهلة مما يسبب عقم دائم".

وعن أبرز المضاعفات الناتجة عن إجراء عمليات الإجهاض بالمراكز غير الآمنة، يقول: "الحاجة الشديدة لنقل دم أو الخضوع لعمية جراحية ترميمية كبرى أو استئصال الرحم الكامل".

ويشير راضي إلى ضرورة استشارة الطبيب المختص، واعتماد تقرير يسمح بإجراء عملية الإجهاض، كما يرجى أن تتم تلك العمليات بمراكز مؤهلة بها أدوات الإسعافات الأولية وطاقم مؤهل.

وعن مواصفات المراكز والمستشفيات الطبية الآمنة لإجراء عمليات الإجهاض، يقول دكتور هاني راضي: "يجب إن تحتوى تلك المراكز الطبية على غرف عمليات مرخصة وبالتالي يكون بها الأجهزة الطبية معقمة كافة، لا سيما وجود مكتب تعقيم مجهز وأفراد الطاقم الطبي مؤهلين وعلى مقدرة كبيرة للتعامل مع الحالات المستعصية المفاجئة".

يؤكد على حديث الطبيب دراسة قامت بها الموسوعة الطبية الحديثة، خلصت إلى أن هناك 46 مليون حالة إجهاض يتم اجراؤها كل عام في العالم، منها 20 مليون حالة إجهاض غير آمن، وتموت 68 ألف امرأة كل عام نتيجة مضاعفات الإجهاض، و95% من هذه الحالات تقع في دول العالم الثالث منها بينها مصر.

حالات إجازة عمليات الإجهاض شرعًا

وإلى جانب عدم قانونية عمليات إجراء عمليات الإجهاض، فإن لها جانب ديني يوضحه الشيخ عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوي الأسبق بدار الإفتاء، بقوله: "عمليات إجهاض الأجنة أمرًا  ليس هين واللجوء إليه يجب أن يسبقه وجود استشارة طبية من قبل طبيب مختص، كما يجب أن يتم إجراء تلك العملية بالمنشآت الطبية المجهزة والمؤهلة لذلك".

ويشرح: "الإجهاض لا يجوز إلا إن كان خط على حياة الأم، أي حين يكون ولادة هذا الجنين فقدان الأم، في ذلك التوقيت فيجوز الإجهاض في أي وقت سواء أكتملت المدة الرحمية أو لم تكتمل لأن المحافظة على الموجود أكبر من المحافظة على الذي سيوجد، فإن كان في الحمل خطورة على الأم فيجوز الإجهاض في أي وقت".

وبين: "فقد أجمع الفقهاء على أن الجنين إذا نفخت فيه الروح ببلوغه في بطن أمه أربعة أشهر قمرية، فلا يجوز إنزاله أبدًا إلا إذا تحقق ضرر على أمه بالتقرير الطبي، أما إذا لم يكن هناك أي  خطورة على حياة  الأم فتعتبر عملية الإجهاض  لا تجوز شرعًا وقانونًا، وتسعى الدولة بالفعل للحد من تلك الظاهرة من خلال التشريعات القانونية التي تقوم بنسها من بين موادها الدستورية الصارمة".