رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عمالة الأطفال وقانون العمل

فى الوقت الذى نحلم فيه بعالم مليئ بأطفال آمنين ويتمتع كل طفل بحرية أن يعيش طفولته، طالعتنا الصحف المصرية صباح الإثنين 10 يناير 2022 بخبر مفجع حزين عن غرق سيارة نقل بمياه النيل وكان عليها 24 عاملا وعامله مابين أطفال وبالغين، وهم فى طريق عودتهم من مزرعة دواجن يعملون بها فى جمع البيض مقابل 60 جنيها يوميا لمساعدة أسرهم، صعد السائق معبرا غير مرخص(معديِّة قديمة متهالكة تربط بين محافظة الجيزة والمنوفية) ولم يستطع السائق السيطرة على السيارة فسقطت فى المياه وتم انتشال جثامين 10 ضحايا منهم 8 أطفال بنين وبنات تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاما. وخرجت قرية طليا بمركز أشمون بالمنوفية متشحة بالسواد تدفن فلذات أكبادها وتدفن معهم أحلامهم وأمنياتهم ومعانتهم.
تنص إتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 لعام 1999 بشأن عمالة الأطفال والتى وقع عليها 187 دولة"يتمتع الأطفال بحماية قانونية من أسوأ أشكال عمل الأطفال (الاسترقاق، والاستغلال الجنسى، والعمل الجبرى، والإتجار بالأشخاص والبغاء والمواد الإباحية، وتجارة المخدرات، واستخدام الأطفال) فى النزاعات المسلحة وأعمال غير مشروعة أو خطرة تضر بصحة الأطفال وأخلاقهم، ونفسيتهم.
وينص دستورنا المصرى فى المادة (80) على "يعد طفلا من لم يبلغ الثامنة عشر من عمره.... تكفل الدولة حقوق الأطفال ذوى الإعاقة وتأهيلهم واندماجهم فى المجتمع....تلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسى والتجارى. لكل طفل الحق فى التعليم المبكر فى مراكز للطفولة حتى السادسة من عمره ويحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه التعليم الأساسى، كما يحظر تشغيله فى الأعمال التى تعرضه للخطر"، بالإضافة لعدد من المواد  التى تنص على حقوق ذوى الإعاقة ورعاية الشباب والنشء وعمل الدولة على اكتشاف مواهبهم وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والبدنية والإبداعية وتشجيعهم على العمل الجماعى والتطوعى وتمكينهم من المشاركة فى الحياة العامة، وتنص أيضا على أن ممارسة الرياضة حق للجميع وعلى الدولة والمجتمع اكتشاف الموهوبين رياضيا ورعايتهم.
اما المادة (60) تقول لنا "لجسد الإنسان حرمة والاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون ويحظر الإتجار بأعضائه".
وإذا انتقلنا معا لمادة أخرى تؤكد حق الطفل فى التعليم وهى المادة (19) التى تنص على أن التعليم إلزامى حتى المرحلة الثانوية أو مايعادلها وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة فى مؤسسات  الدولة التعليمية.
ولتحقيق ذلك لابد من توفير الظروف الحياتية المناسبة والكريمة للأسر وتوفير فرص العمل للرجال والنساء مع مرتبات تفى بالاحتياجات الضرورية، مما يساعد على استقرارالمجتمع ونموه ونهضته.
إن من أهم أسباب عمالة الأطفال فى سن مبكرة هو الفقر وازدياد الفجوة الطبقية بين فئات المجتمع، وهاهى إحصاءات المجلس القومى للطفولة والأمومة تدق ناقوس الخطر وتحذرنا، وتخبرنا فى أغسطس 2018 بأن حجم عمالة الأطفال الذين يعملون لساعات طويلة فى أعمال غير مؤهلين لها نفسيا وبدنيا يصل إلى 2 مليون و700 ألف منهم 80% بالريف و20% فى المدن. وهناك أيضا إحصائية صادمة تخبرنا بأن أكثر من 10 آلاف طفل محبوسين احتياطيا 20% منهم متهمون بجرائم قتل و50% متهمون بارتكاب جرائم سرقة ومخدرات. هذه الإحصائية صادرة من المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية.هذا غير مايتعرض له الأطفال فى عدد من دور اليتامى من اعتداءات جسدية وضرب وإهانة فى غياب إحكام الرقابة.
ومن مشاكل الفقر أيضا خروج الأطفال للعمل فى سن مبكرة وفى ظروف قاسية تفتقد الحماية والآمان وبالمخالفة للقانون. فى معظم الدول يتم السماح للأطفال فى سن 15 سنة بالعمل فى فترة الإجازة من أجل تنمية مهارتهم ومن أجل توفير المصاريف الدراسية ولهذا العمل شروطه وظروفة التى ينص عليها قوانين ومواثيق العمل الدولية ومنها ألا تزيد ساعات العمل عن 6 ساعات يتخللها راحة للأكل، ولايتم تشغيل الأطفال مساء مع إلزام صاحب العمل بإبلاغ القوى العاملة عمن يشتغلون عنده من الأطفال لضمان حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.
بالطبع لايحدث هذا عندنا حيث يرسل الفقراء أولادهم للعمل فى ظروف تفتقد للحماية وفى سن صغيرة، فهناك من يرسلون بناتهم فى سن الثامنة للعمل فى المنازل دون رقابة وكم سمعنا عن الجرائم التى ترتكب فى حق الصغيرات منها الضرب المبرح والتعذيب بالكى بالنار، وهناك من يرسل البنات الصغار فى القرى للعمل فى شركات فرز وتعبئة الخضروات والفواكه للتصدير لقاء أجور زهيدة وبالطبع لاضمانات ولا عقود ولا تأمينات ولاتوافر لشروط السلامة والصحة المهنية ولاوسائل مواصلات آدمية وكم سمعنا وشاهدنا الكثير من حوادث إنقلاب سيارت الربع نقل التى ينحشر فيها الأطفال وتسير بهم فى الطريق للعمل وسط طرق غير ممهدة ويصاب عدد، ويلقى عدد آخر حتفه وتلف الحسرة ذويهم وتفقد الدولة جزء كبير من الثروة البشرية.
إن الاهتمام بسرعة إصدار قانون العمل مع حظر عمالة الأطفال ورقابة الدولة مع تفعيل رقابة شعبية على أماكن العمل، بجانب تغليظ العقوبة على من يرتكب جرم تشغيل الأطفال فى سن صغيرة بالمخالفة للقانون واهتمام الدولة بتنمية الثروة البشرية بالتعليم والتدريب والتأهيل، وتوفير فرص العمل بأجور مناسبة وعادلة سيساهم فى القضاء على اغتيال براءة الطفولة وسيعمل على تقليل الفجوة بين فئات المجتمع ويساعد على ارتفاع مستوى معيشة الأسر المصرية واستقرار المجتمع.