رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المحرضون أضل سبيلًا وأكثر إجرامًا

جرت العادة بأنه فى الجرائم العادية الشخصية، من سرقة أو تشهير أو قتل أو اعتداء، يكون المنفذ للجريمة أشد عقوبة من المحرض عليها أو أحيانًا مساويًا له فى العقوبة، لكون من ينفذ الجريمة أشد جرمًا وفُجرًا ممن يحرض عليها أو على الأكثر مساويًا له وشريكًا مكافئًا فى العدوان والبغى على بعض أفراد المجتمع أو ممتلكاتهم، لكن، هل يا ترى المحرض فى الجرائم العامة ذات الطابع الدينى والعنصرى مساوٍ أيضًا لمنفذ الجريمة يدًا بيد وهاء بهاء؟ 

دعونا نصيغ السؤال بشكل أكثر وضوحًا، هل الشباب المجندون لصالح الجرائم الإرهابية الخبيثة التى يعانى منها العالم كله، خصوصًا بلادنا العربية والإسلامية، يستوون وكهنة الخرافة والكراهية والجريمة الذين جندوهم وشوهوا وعيهم حتى أصبحوا آلات للقتل والاغتيال، بل وقنابل موقوتة تحلم بالخروج من هذا العالم بوعد كاذب ضال لهم بأنهم سيكونون فى عالم بلا مشاكل كعالمنا، إنه عالم موعود، كله متعة وشهوة وإشباع ملىء بالخمور اللذيذة التى تجرى كالأنهار وطعام شهى بأحجام وكميات بلا حساب ونساء فاتنات شبقات دومًا متهيئات لمن يرغبهن؟ 

فبعد أن يعد ويمنى شيوخ الضلال والفتنة الشباب الذى يعانى ماديًا وجنسيًا واجتماعيًا بتلك الوعود السخية المثيرة لخيال المهزوم المحروم الجاهل، غالبًا يبدأ الشيطان البشرى الذى يصور نفسه كرجل دين غيور يتحدث نيابة عن الله، كما يزعم، بل هو أهم من الإله الغائب فى عقائد شيوخ الإرهاب والإجرام وأذنابهم، بعد كل تلك الوعود الحلوة التى كلها إشباع للبطون والفروج، ينتصب شيخ الضلالة مشيطنًا المجتمع كله من قيادته السياسية والدينية والفنية والثقافية، فكل هؤلاء كفار ملاعين هم سبب فساد العالم وانهيار حضارتنا المهزومة الفاشلة، ويبث البغض والكراهية ضد كل مختلف معه فى الدين أو الرأى، فيتم استحلال أموال المختلفين فى الدين وفروجهم، كما حدث مع محلات المسيحيين ونساء الإيزيديين قريبًا، ويستبيح قتل رجال الدين المختلفين معهم، كالشيخ الأزهرى حسين الذهبى، وتتم شيطنة رؤسائنا وقياداتنا، فلم ينجُ رئيس أو وزير من محاولات اغتيال، ونجح حزب الشيطان فى قتل الرئيس السادات ورفعت المحجوب وقبلهما النقراشى باشا وأحمد ماهر باشا، وغيرهم كثير، ومحاولات بالعشرات، وتمت تصفية العديد من إخواننا وأبنائنا فى الجيش والشرطة، ولعلهم قتلوا منهم أكثر مما قتل الأعداء منهم، اغتيالًا جبانًا، وكذلك رجال القضاء كأحمد الخازندار، وأخيرًا نائبنا العام الأسبق.

وتحريضهم المستمر على رموز مصر والعرب الثقافية، فما قتل الدكتور المستنير فرج فودة، بيدى شاب مضلل أمى جاهل، منّا ببعيد، وكذلك رغبتهم فى الفتك بالأديب العالمى العظيم نجيب محفوظ، وهو الأديب المصرى والعربى الوحيد الحائز على جائزة نوبل فى الآداب، ومحاولات بالمئات لقتل صحفيين وفنانين ومفكرين وقضاة، ولولا يقظة دولتنا لكانت كارثة حقيقية لشعبنا المسكين.

لكن رغم كل هذا فإننى أرى أن شيوخ الدماء والفتنة ما زالوا يرتعون دون رادع ويبثون سموم الكراهية والعنصرية ضد كل جميل وإنسانى، وإننا بحاجة إلى مشروع قومى كبير لمواجهة ذلك، مشروع أوله تجريم التحريض على الكراهية والعنصرية والتكفير والشيطنة للمختلف، حتى لو لم يترتب عليه عنف وقتل وإرهاب، فلا بد من اجتثاث كل دعوة للعنف من جذورها، ولن يكون ذلك إلا بإتمام ثورة ثقافية وفكرية تتجلى، ليس فقط، فى أجهزتنا الأمنية والتشريعية والقضائية، ولكن تشمل الإعلام والتعليم والثقافة، ويكون كل ذلك منارات تنشر ثقافة التسامح والحب والعدل وقبول الآخر، وثورة دينية لنشر دين الحب والرحمة والجمال، لا دين القتل والكره والعنصرية.

ودون هذا المشروع الوطنى الشامل ستظل مجتمعاتنا متخلفة تدور فى حلقة مفرغة من الجهل والدماء والتخلف.