رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف نواجه «الوحش» الذى التهم ثمار الإصلاح الاقتصادى وأجهض خطط التنمية؟

الزيادة السكانية
الزيادة السكانية



لم يكن حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن ظاهرة الزيادة السكانية، والعرض الذى قدّمه الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، قبل أيام، عن علاقتها وتأثيرها فى الوضع الاقتصادى المصرى وفى حياة جميع المواطنين، إلا دقًا على ناقوس الخطر، وإجابة عن السؤال الذى يحير الجميع ويتخذه أعداء الدولة سلاحًا لاستهدافها والعمل على ضرب استقرارها، وهو: لماذا لا يشعر المواطنون بآثار معدلات التنمية المرتفعة التى تحققت خلال السنوات القليلة الماضية؟
فزيادة عدد سكان مصر من ٩ لأكثر من ١٠٠ مليون نسمة، خلال الفترة من ١٩٠٠ لـ٢٠٢٠، تعكس بوضوح حجم التحدى الكبير الذى يواجه الدولة، التى تحاول بالتزامن مع مواجهة هذه الأزمة النظر لجميع مواطنيها، كإضافة إيجابية لها وليس عبئًا.
فى السطور التالية، تعيد «الدستور» فتح هذا الملف الذى صاحب الحكومات والأنظمة المتعاقبة على مر السنين، وتحاول من خلال خبراء ومتخصصين ومسئولين عن المواجهة التعرف على أبرز العقبات التى تحول دون تحقيق نجاحات كبيرة به، وما الطرق المثلى لحلها على أكمل وجه؟، لتضاف إلى كثير من الأزمات التى تمكن النظام الحالى من حلها رغم صعوبتها الكبيرة.

«القومى للسكان»: الأزمة فى عدم استغلال الإمكانات المادية المتاحة
قال عمرو حسن، المقرر السابق للمجلس القومى للسكان، إن الاستراتيجية القومية للتنمية التى وضعتها الحكومة استهدفت وصول عدد سكان مصر إلى ٩٤ مليون نسمة، خلال العام الجارى، لكن العدد وصل إلى ١٠١ مليون نسمة، فى أكتوبر الجارى.
وأشار إلى حديث الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، حول أن المواطن الواحد يُكلف الدولة ١٣ ألفًا و١٠٠ جنيه سنويًا، منذ لحظة ولادته حتى يبلغ ٢٠ عامًا، علمًا بأن التكلفة على الدولة زادت بنحو ٩١.٧ مليون جنيه مع الزيادة الأخيرة فى عدد السكان، مضيفًا: «إذا استمرت الزيادة بهذا المعدل، فستتضاعف هذه المبالغ بما يفوق قدرة الدولة، ما يؤدى فى النهاية إلى انتشار الفقر والجهل وتراجع معدلات التنمية».
ورأى أن الحكومة لا تستطيع محاسبة مسئول محدد عن هذه الزيادة وأسبابها، لأن الملف دمه مهدر بين عدة وزارات وهيئات، وبالتالى لم يعد لدينا مسئول بعينه نستطيع محاسبته عن ذلك الفشل، الذى تسبب فى إهدار ملايين الجنيهات كان يمكن استغلالها فى التنمية بدلًا من إنفاقها على المواليد الجدد.
وبَيّن أن الحل الوحيد للقضاء على مشكلة الزيادة السكانية هو «حوكمة» ملف السكان، بما يسهم فى وجود شفافية يمكن من خلالها مساءلة المسئولين عن هذا الملف، وهذا لن يحدث إلا بزيادة الصلاحيات الممنوحة للعاملين فى المجلس القومى للسكان، وتوفير الإمكانات التى يحتاجون إليها لمساعدتهم على العمل.
وأضاف: «ملف مواجهة الأزمة السكانية لا يعانى نقص الإمكانات المادية، لأنه يحصل على جزء من الموازنة العامة للدولة، إضافة إلى المنح والقروض، لكن جميع هذه المبالغ لا تُستغل بالطريقة المثلى».
وقال «حسن» إن أكثر الفترات التى استطاع فيها «المجلس القومى للسكان» تحقيق الهدف المرجو من إنشائه كانت فى الفترة من ١٩٨٦ لـ١٩٩٦، لأنها الوحيدة التى شهدت أخذ الدولة على عاتقها العمل على تخفيض معدل النمو بشكل جاد، ونجحت فى ذلك بالفعل.
ومن خلال تحليل عوامل النجاح خلال هذه الفترة، وفقًا لـ«حسن»، يمكن القول إنه كان مرهونًا بتوافر ٤ عناصر مجتمعة، هى: الإرادة السياسية، والسياسة السكانية الشاملة، وقوة واستقلال واستقرار الإطار المؤسسى المعنى بملف السكان، وتوفير الموارد المالية اللازمة لتقديم خدمات تنظيم الأسرة، سواء من خلال العيادات الثابتة والمتحركة، أو فيما يتعلق بتدشين حملات التوعية.
وتابع: «عندما اجتمعت السياسة السكانية المنضبطة، والإطار المؤسسى القوى الممثل فى المجلس القومى للسكان برئاسة رئيس الجمهورية، والتمويل اللازم من خلال المانحين والموازنة العامة، كانت النتائج المتحققة خلال الفترة من ١٩٨٦ لـ١٩٩٦ قوية فيما يخص المؤشرات الإنجابية والصحية».
وحذّر من أن غياب أى عنصر من العناصر السابقة سيجعل البرامج السكانية عرضة للفشل أو تحقيق نتائج ضعيفة، مبينًا أنه بمجرد انتقال تبعية الملف إلى وزير الصحة والسكان، فى عام ٢٠٠٢، بدأ الإنجاز المتحقق يتباطأ فى جميع المؤشرات السكانية بشكل ملحوظ، رغم توافر العناصر الثلاثة الأخرى، ومع تراجع تمويل «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» بحلول ٢٠١٠، بدأ التحسن يتوقف تمامًا فى جميع المؤشرات ذات الصلة بالصحة الإنجابية.
واختتم أنه «بعد عام ٢٠١١ تراجعت الإرادة السياسية، وبقيت وثيقة السياسة السكانية منفردة، دون إطار مؤسسى أو إرادة سياسية أو تمويل، فبدأ معظم المؤشرات يتدهور، وارتفع معدل الخصوبة والنمو السكانى من جديد».
أطباء: على الأسرة إنجاب عدد أطفال يلائم وضعها المعيشى

«تحديد النسل مسئولية ملقاة على عاتق النساء فقط».. فكر خاطئ سائد، حيث يعتقد الدكتور أحمد رافع، استشارى أمراض النساء والتوليد، أنه أسهم فى الزيادة السكانية التى تعانى منها مصر منذ سنوات.
وقال «رافع»: «تحديد النسل مسئولية مشتركة بين الزوجين، ومن الممكن أن يستخدم الرجل الواقى الذكرى أثناء العلاقة الجنسية، الذى يعد من أضمن وأهم الوسائل لتحديد النسل، لكونه آمنًا على النساء أكثر من الحبوب أو اللولب التى قد تكون لها آثار جانبية».
وكشف عن أن لكل سيدة وسيلة منع حمل تختلف عن غيرها، وهو ما يتطلب توجهها مباشرة إلى الطبيب المتخصص لتحديد الوسيلة المثلى لها، مشددًا فى الوقت ذاته على الأهمية الكبيرة لمبادرات التوعية فى تحديد النسل.
واتفق الدكتور محمد خيرى، استشارى أمراض النساء والتوليد، قائلًا إن حملات التوعية تعد أهم وسيلة لمواجهة الزيادة السكانية الكبيرة، لأنه إذا لم تتم توعية المواطن بخطورة هذه الظاهرة فلن تُجدى معه أى وسائل أخرى.
وشدد «خيرى» على عدم وجود وسيلة منع حمل آمنة بنسبة ١٠٠٪، مشيرًا إلى أن الوسيلة الأكثر أمانًا هى «اللولب» بالنسبة للسيدات، والواقى الذكرى للرجال.
وتوقع زيادة معدل المواليد فى مصر بسبب فترات الحظر التى خلفتها أزمة فيروس «كورونا»، وهو ما يضع حملًا زائدًا على الحكومة لمواجهة تلك الزيادة خلال السنوات المقبلة.

خبير اقتصادى: التنظيم مسئولية الزوجين.. وأزمة فيروس كورونا ستزيد من معدل المواليد
حذر خالد رحومة، الخبير الاقتصادى، من أن الزيادة السكانية تتسبب فى عدم شعور المواطنين بتغيير واضح فى أوضاعهم الاقتصادية، رغم معدلات النمو المرتفعة التى حققتها الدولة خلال السنوات القليلة الماضية.
وأوضح «رحومة» أنه «مهما زاد الدخل القومى وارتفعت معدلات النمو، ستؤثر الزيادة السكانية على نصيب الفرد مما تحقق، لأن ذلك النصيب يُحتسب من خلال تقسيم الناتج المحلى الإجمالى على عدد الأفراد، وبالتالى يقل كلما زاد عدد الأفراد»، مضيفًا: «ينبغى أن يصبح معدل النمو الاقتصادى ضعف معدل النمو السكانى حتى يجنى المواطنون ثمار التنمية». وبَيّن أن الزيادة السكانية من الممكن أن تكون سلاحًا ذا حدين، فكلما عُظمت الاستفادة من السكان، كان وجودها إيجابيًا، عبر تعزيز معدل النمو باستغلال السكان فى تشغيل المصانع وزراعة الحقول وغيرها من مجالات التنمية. وشدد على ضرورة العمل على تغيير ثقافة المصريين الرافضة للعمل المهنى والحرفى، وتفضيلهم البطالة على هذه النوعية من العمل، ما يجعلهم عبئًا على الدولة، التى تستفيد من العمل الحرفى والمهنى أكثر من الوظائف الحكومية. واعتبر أن حل الأزمة السكانية من داخل الأسرة نفسها، فهى مطالبة بالبحث عن مستقبل أفضل للأبناء قبل إنجابهم، ليكون نصيب الطفل من دخل أسرته كافيًا لتوفير تعليم وتغذية جيدين له، مع عدم الإنجاب حال عدم القدرة على توفير ذلك للأطفال، مضيفًا: «إذا طبقت كل أسرة هذه النظرية فلن تكون هناك زيادة سكانية مبالغ فيها». ودعا الخبير الاقتصادى الحكومة إلى إطلاق حملات توعية وتثقيف للأسر، لحثهم على إنجاب عدد أطفال وفقًا للوضع الاقتصادى الخاص بكل أسرة.

ممرضات: وسائل منع الحمل متوفرة.. التوعية مستمرة عبر الرائدات الريفيات.. والمشكلة فى ثقافة «العزوة»
رأت إسراء مهدى، ممرضة تنظيم أسرة بمحافظة دمياط، أن هناك الكثير من القرى لا تزال غير مكترثة لأمر تنظيم الأسرة، على الرغم من أن الجيل الجديد أصبح أكثر وعيًا بثقافة «أطفال أقل يساوى حياة وتعليم أفضل».
وقالت «إسراء»: «نحصل على الدعم اللازم من وزارة الصحة والسكان، وتوفر لنا جميع وسائل منع الحمل، لكن تظل المشكلة الأساسية فى الموروثات الثقافية لبعض الأسر، التى ما زالت ترى أن الأطفال رزق وعزوة».
وأضافت: «التثقيف الصحى بشكل عام وتنظيم الأسرة مهم جدًا، فى القرى والأرياف، لأن أفكار الرزق والعزوة توجد بصورة لافتة هناك، وستصل قريبًا إلى الجميع فى كل أقطار الجمهورية».
ودعت إلى العمل على تربية جيل يعى أهمية أن قلة المواليد تعنى حياة أفضل، إلى جانب نشر ثقافة تنظيم الأسرة، خاصة أن المنظومة الخاصة بهذا الملف تعمل بشكل أفضل بكثير من الأعوام السابقة، ما يتطلب استغلال تلك الفرصة لترسيخ هذه الثقافة.
وتشارك «جيهان»، رائدة ريفية فى دمياط أيضًا، فى تنفيذ العديد من حملات التثقيف الصحى، بهدف توعية السيدات، خاصة فى القرى، بأهمية وسائل منع الحمل، والطريقة الصحيحة لاستخدامها، مع ترسيخ ثقافة «أبناء أقل يعنى حياة سعيدة».
وأوضحت «جيهان» أن حملات طرق الأبواب تلك تتضمن زيارات منزلية، وفى مواقع العمل، للتحذير من السلوكيات الخاطئة التى تقع فيها غالبية السيدات، والعمل على نشر ثقافة تنظيم الأسرة فى المجتمع.
وأضافت: «الرائدات الريفيات يجب أن تكون لديهن إحصائيات محدثة بأعداد المواليد والأطفال الرضع وعدد المرضى، حتى يتحدثوا مع المواطنين بالأرقام، ويستطيعوا إقناعهم بضرورة تقليل عدد المواليد».
وحذرت من الاستهانة بدور الرائدات الريفيات، لأنهن حائط الصد ضد أى عادات صحية خاطئة، ويسهمن بشكل كبير فى التثقيف الصحى داخل القرى، من خلال حملات طرق الأبواب، وزيارة المرأة الحامل، وتثقيف كل المواطنين صحيًا.
وأشارت إلى أن جهد الرائدات الريفيات لا يقتصر على نشر ثقافة تنظيم الأسرة فحسب، لكن «فى بعض الأحيان نزور المنازل للتوعية بخطورة سرطان الثدى، والسن التى يجب أن تبادر فيها السيدات بالكشف لملاحظة المرض مبكرًا، وبالتالى نستطيع علاجه وهو فى مراحله الأولى».