رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أردوغان فى مسرح الجريمة!


.. ولأن «الدنيا ماشية بضهرها»، كما قال الأستاذ أحمد شيبة، وأثبتت الأستاذة كيم كارديشيان، كان الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، هو صاحب الحضور الأقوى والصوت الأعلى فى إدانة جريمة مسجدى نيوزيلندا، مع أن العالم كله يعرف، أنه الداعم الأكبر للإرهاب، من واقع ما حدث ويحدث على الأرض، وما صار موثقًا بأدلة لا تقبل شكًا ولا تحمل تشكيكًا.
ما زلنا نتحدث عن «جمعة نيوزيلندا الأسود» وكنا قد أشرنا، أمس، تحت هذه العنوان إلى أن الجمعة، ١٥ مارس ٢٠١٩، لا يختلف عن الجمعة، ٢٤ نوفمبر ٢٠١٧. ومذبحة مسجدى «كرايستشيرش»، لا تقل بشاعتها عن تلك التى حدثت فى مسجد الروضة، بشمال سيناء. والشهداء الـ٥٠ هناك، والـ٣٠٠ هنا قتلهم الإرهاب، عدو البشر الأول، على اختلاف جنسياتهم وأعراقهم ودياناتهم. وهو القاتل نفسه، الذى قام منذ ثورة ٣٠ يونيو، ولا يزال، بمئات العمليات الإرهابية، قتل خلالها مئات المصريين، مسلمين ومسيحيين، وقام بحرق وتخريب وتدمير عشرات الكنائس والمساجد فى طول مصر وعرضها. وكان القاسم المشترك فى كل تلك الجرائم، هو محاولة مباركة النظامين التركى والقطرى لها ومحاولاتهما إيجاد تبريرات للقتلة، بل إن النظامين شاركا فى غالبية تلك الجرائم، بالتمويل والسلاح.
دائمًا وأبدًا، يكاد المريب أن يقول خذونى. ومعروف أن المبالغة فى إظهار الشىء، تدفع دائمًا إلى الشك فى صحة عكسه. وعليه، يكون طبيعيًا أن يستوقفك تركيز وسائل إعلام تركية رسمية، ومسئولين أتراك كبار، ثم الرئيس التركى نفسه، بهذا الشكل المبالغ فيه على إظهار عداء الإرهابى لتركيًا. لدرجة أنهم قاموا، على الفور، بحصر عدد المرات التى زار فيها تركيا، وفتشّوا فى حساباته على شبكات التواصل الاجتماعى، ووجدوه كَتب مهددًا الأتراك: «يمكنكم أن تعيشوا بسلام فى أراضيكم على الضفة الشرقية للبوسفور، لكن إذا حاولتم أن تعيشوا فى الأراضى الأوروبية، وفى أى مكان غربى البوسفور، سنقتلكم ونطردكم من أرضنا أيها الصراصير».
قناة TRT نقلت عن مسؤول تركى أن الإرهابى «زار تركيا مرتين، الأولى سنة ٢٠١٦ حيث دخل البلاد فى ١٧ مارس، وغادرها فى ٢٠ من الشهر نفسه. والثانية فى ١٣ سبتمبر وغادرها فى ٢٥ أكتوبر من السنة نفسها». كما أشارت وكالة أنباء «الأناضول» إلى أن الإرهابى أقام لمدة ٤٣ يومًا فى تركيا خلال زيارته الثانية. قبل أن يخرج الرئيس التركى ليقول إن بلاده تجرى الآن تحقيقًا لاكتشاف الجهات التى لها صلة بالجريمة، مستندًا إلى أن الإرهابى هدد بأنه سيذهب إلى إسطنبول ليهدم المساجد والمآذن، و«زيّن أسلحته بأسماء أعداء الأتراك والمسلمين، وتاريخ حصار فيينا الثانى ورموز طغاة الحملات الصليبية». ولم يفت أردوغان أن يشير أيضًا إلى أن القاتل سبق أن زار إسطنبول لثلاثة أيام، وزارها مرة أخرى لـ٤٠ يومًا.
ما يثير الدهشة والسخرية معًا، هو أن الرئيس التركى طالب بإنزال أشد عقوبة بذلك الإرهابى. مع أن المذكور أحد أكبر الداعمين للإرهاب، إن لم يكن أكبرهم، ومع أنه لم يتوقف عن دعم التنظيمات الإرهابية، كالإخوان وداعش وغيرهما، بالمال والسلاح، طوال السنوات الماضية. كما أن بلاده كانت الممر الأكبر لتدفق الإرهابيين، إلى سوريا، قبل أن تصبح ملجأً للإرهابيين الفارين منها. وكانت ولا تزال الملاذ الآمن للإرهابيين حاملى الجنسيات المصرية، السورية، اليمنية، الليبية بعد أن تبددت أحلام أو أوهام مجنون إسطنبول، فى تصعيدهم إلى قيادة تلك الدول، ليكونوا حكامًا بالوكالة، وتصبح بلادهم ولايات تابعة للإمبراطورية العثمانية.
تقول القاعدة القديمة «فتّش عن المستفيد». ومن مزاعم وسائل إعلام فرنسية، على سبيل المثال، بأن الإرهابى تأثر بنتائج الانتخابات الرئاسية هناك، يمكننا استنتاج أن هناك تيارًا فى فرنسا، وفى أوروبا إجمالًا، يسعى لاستغلال الحادث أو الاستفادة منه. لكن مع تسليمنا بأن ذلك عادى وطبيعى، إلا أننا نكرر ما ذكرناه أمس بأن المستفيد، أو أحد المستفيدين، سيكون على الأرجح هو من استأجر الإرهابى أو تلاعب فى عقله. وهنا، نجد الإشارة ضرورية إلى حرص الإرهابى على تأكيد عدم انتمائه لأى منظمة، أو جماعة قومية، من تلك التى كان يتبرع لها ويتفاعل معها، وأنه تصرف بمفرده وليس تنفيذًا لأوامر أى منظمة أو جماعة.
.. وتبقى الإشارة إلى أن السؤال البديهى بشأن ضمانات أو احتمالات عدم تكرار مذبحة نيوزيلندا لا يزال مطروحًا. غير أن الإجابة لن تكون سهلة لو تجاهلنا أن الإرهابيين، فى جوهرهم وأصلهم، بمعتقداتهم وقناعاتهم، لهم دين واحد وينتمون لكيان واحد، أو أمة واحدة. وأنهم مهما اختلفت تسمياتهم ومسمياتهم، أو أهدافهم أو دوافعهم، فإن «المعتقد» ليس فقط هو ما يحركهم، بل تحركهم أيضًا، أو غالبًا، أجهزة مخابرات دول.