رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تأسست فرقة «الحشاشين» على يد الصباح؟

جريدة الدستور

تنسب كتب التاريخ إلى شيخ الجبل «الحسن الصباح» براءة إنشاء ما يسمى فرقة «الحشاشين». نشأ «الصباح» فى بيئة تؤمن بالمذهب الاثنى عشرى، وظل على قناعته به طيلة سنى طفولته، لكنه تحول فيما بعد إلى المذهب الإسماعيلى، وكان السر فى ذلك -كما يشير المؤرخون- محنة مرض مر بها، فأخذ يقرأ فى الكتب التى تشرح هذا المذهب وتعلم الكثير على أيدى معلمين «إسماعيليين»، إلى أن آمن به إيمانًا لا يهتز.

كانت الدولة الفاطمية حينذاك هى الترجمة السياسية لهذا المذهب والإطار المنظم الذى يجمع بين المؤمنين به، وعندما تحول «الصباح» إلى المذهب الإسماعيلى كانت هذه الدولة تمر بمحنة كبرى فى عصر الخليفة المستنصر، انتهت بسيطرة أمراء الجيوش على الخلافة: «بدر الجمالى» ثم «الأفضل الجمالى». وقد كان الحسن الصباح فى زيارة لمصر حينما نشب الخلاف على تسمية ولى عهد الخليفة «المستنصر»، وانتهى الأمر بتولية الابن الأصغر «المستعلى»، خلافًا لثوابت المذهب الإسماعيلى التى تضع الإمامة فى شخص الابن الأكبر للإمام الراحل.
مكث الحسن الصباح فى مصر ثلاث سنوات تنقل فيها بين القاهرة والإسكندرية، ويقال إنه التقى خلال هذه الزيارة بالخليفة المستنصر وسأله عن ولى عهده فأجابه بأنه ولده الأكبر «نزار»، ويشير مؤرخون آخرون إلى أن هذه الزيارة لم تقع. فى كل الأحوال كان الحسن الصباح يعتقد فى أحقية الابن الأكبر للمستنصر فى ولاية عهده، تطبيقًا لمبادئ المذهب الإسماعيلى، وقد اختلف اختلافًا عنيفًا مع «بدر الجمالى» بسبب تأييد الأخير تولية «المستعلى» (الابن الأصغر للخليفة المستنصر)، وقد دفع ذلك بـ«الجمالى» إلى سجن «الحسن الصباح»، ثم قرر طرده بصورة نهائية من مصر، فخرج منها فى لحظة كانت فيها الخلافة الفاطمية التى تحلقت حول «المذهب الإسماعيلى» تتهاوى. كان «الجمالى» يرى أن وجود «الحسن الصباح» فى القاهرة خطرا يهدد كيانه، فزج به إلى السجن بمدينة دمياط، ولم يكتف بذلك، بل قرر إخراجه إلى المغرب، لكن الريح قذفت بالسفينة التى حملته -كما يقول المؤرخون- إلى سواحل الشام، فنزل بها ثم انتقل إلى بغداد، ومنها إلى إقليم خوزستان الذى كان مركزًا للدعوة الإسماعيلية.
بدأ «الصباح» يبحث عن ملجأ آمن ومخبأ سرى يستطيع أن يجعله مركزا لدعوته، ووجد ضالته فى قلعة «ألموت» التى شيدت فوق جبل، وأصبح من ساعتها يلقب بشيخ الجبل، وتحلقت من حوله طائفة تصفها كتب التاريخ بـ«الحشاشون». وقد كان «الحشاشون» يخضعون خضوعًا كاملًا لسلطة وسلطان شيخ الجبل، وكانوا على استعداد لتنفيذ أى أوامر تصدر منه، حتى ولو تمثلت فى إزهاق أرواحهم بأيديهم، أو القيام بعمليات اغتيال لخصوم سياسيين قد ينتج عنها أن يلقى الشخص حتفه. ويشيع البعض أن الحسن الصباح كان يستخدم مخدر «الحشيش» للسيطرة على أتباعه، بالإضافة إلى الحديقة التى بناها وشيدها وشق فيها الأنهار وتزاحم فيها الحسان والغلمان فى مشهد يتشابه مع الوصف القرآنى للجنة. ويذهب بعض المؤرخين إلى أن «الصباح» كان يسقى المريد شراب الحشيش، ثم يدخله هذه الحديقة، لينعم بما فيها من أطايب، ثم يخرجه منها ويطلب منه القيام بعملية اغتيال معينة، ويعده فى حالة موته بإدخاله من جديد إلى هذه الجنة ليخلد فيها أبدا!.
فى إطار شغفه بالتحليل النفسى للشخصيات التاريخية وصف المفكر الكبير عباس محمود العقاد «الحسن الصباح» بأنه شخصية مولعة بجنون السيطرة والغلبة، وأنه كان مسوقًا من نفسه التى كانت تغلبه باستمرار وتدفعه إلى السيطرة على الآخرين، وقد غلب جنون السيطرة على ما تمتع به الرجل من دهاء، ويفسر «العقاد» صراع «الصباح» مع بدر الجمالى، بالرغبة الجامحة لدى الأول فى المنافسة، وأنه انحاز إلى «نزار»، لا لشىء إلا لأن «الجمالى» نادى بـ«المستعلى» خليفة لأبيه «المستنصر»، أى على سبيل العناد فقط، وبالنسبة لقلعة «ألموت» والجنة التى صنعها «الصباح» فى حديقة القلعة، يرى «العقاد» أنها فكرة مستبعدة، فمن غير الوارد أن يكون للجنة المزعومة ومسألة منح المريدين الحشيش أصل فى قصة «الحسن الصباح». ويقرر أن المستشرقين الذين وقفوا مدهوشين أمام إقدام المسلمين على الموت فى الحروب الصليبية لجأوا إلى اختراع هذه القصة اختراعًا حتى يبرروا مسألة الإقدام على الموت بهذه الطريقة، وأن الدافع وراء ذلك هو الرغبة فى الجنة وفى أطايب الجنة، وذكر أن بعض مؤرخى الشرق ذهبوا إلى أن بعض شيوخ الطرق كانوا يستبيحون «مخدر الحشيش» ولا يحسبونه من المسكرات المحرمة.