رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معبود الجماهير.. أيام الوعظ والسلطنة «26»

محمد الباز يكتب: النبطشي.. لماذا هاجم كشك نجوم السينما؟

محمد الباز
محمد الباز

- الشيخ كان عدوًا لأى إبداع وأى شكل من أشكال الفنون المحفزة على التفكير.. وكلماته تعبر عن روح ترفض الحياة
- كشك استغل هجومه على الفنانين بالاسم لتحقيق الشهرة وجعل نفسه فى منافسة معهم
- الواعظ كان يقوم بدور «نبطشى الجماعات الإسلامية» لتكسير عظام أهل الفن


كان لابد من تبرير يلجأ إليه الشيخ كشك، حتى يستطيع أن ينام وهو مستريح تمامًا، لا يؤنبه ضميره ولا تؤرقه ذنوبه التى يقترفها بالخوض فى سيرة نجوم المجتمع وأعراضهم من على منبره.
جعل الواعظ من نفسه محتسبًا يطارد الفنانين والفنانات فى دور السينما وعلى شاشات التليفزيون، نصب نفسه قيّمًا عليهم، يعتقد أنه يمتلك الحق وحده، ويناصر دين الله وحده، ويدافع عن الإسلام وحده، مع أن ما فعله لم يكن لوجه شىء من هذا أبدًا.
تريدنى أن أقول لك لماذا هاجم الشيخ كشك نجوم السينما ورموز الفن؟
قبل أن أجيبك، اسمح لى أن أؤذى عينيك بقراءة ما قاله الشيخ فى حقهم، وهو ما أعتذر عنه مقدمًا بالطبع.
فى الخطبة رقم ١٥٥ التى ألقاها كشك فى ٩ يناير ١٩٧٦، يقول: ليلة الجمعة أمس كان يذاع فيلم «دموع الحب»، ونحن لسنا فى حاجة إلى دموع الحب، إنما نحن فى مسيس الحاجة إلى دموع الخوف من الله، تحولت المساكن إلى دور للسينما.
كان الشيخ يتحدث عن مسابقة فى إذاعة القرآن الكريم، لم يستطع المشاركون فيها الإجابة عن أى سؤال وجه إليهم، فوجه كشك كلامه إلى سائل التلاميذ فى محطة القرآن الكريم قائلا له: اسألهم عن فيلم مدرسة المشاغبين، شلة المراهقين، قاع المدينة، أبى فوق الشجرة، وداعًا يا غرامى، شاطئ بلا أمواج، الكرنك، النداهة، بنت اسمها محمود، لأن المؤلف مخنث، فسمى الذكور إناثا، الآنسة حنفى، وهكذا، اسألهم عن فى بيتنا رجل، أين عقلى؟.
فى الخطبة رقم ٢١٤ التى ألقاها فى ١ أبريل ١٩٧٧، يقول كشك: هناك سينما فى القاهرة اسمها «أوديون»، هذه السينما تتكلم بلسان الاتحاد السوفيتى، تعرض فيلمًا اسمه «الأستاذ أيوب» للأسبوع الثالث.
يصف كشك فيلم الأستاذ أيوب بأنه فيلم «رقيع ساقط».
أما لماذا هو رقيع وساقط، فطبقًا لما يقوله كشك: اسمعوا هذا المشهد منه، تقول البطلة ابنى هذا جئت به بعد كفاح مع ١٢ رجلا، وسر قوة ابنى فى معاشرة النساء، أنه يكثر من شرب عصير البرسيم، أهذا كلام يقال يا أمة الإسلام، أهذا كلام يقال على أسماع شبابنا وفتياتنا ورجالنا، الفيلم يعرض الآن فى مدينة المنصورة، وماذا كانت النتيجة؟، وإلى أين المصير؟، ابنها جاءت به بعد كفاح مع ١٢ رجلًا، صار السفاح كفاحًا.
الأمور تتطور ففى الخطبة رقم ١٠٠ التى ألقاها فى أواخر العام ٧٥، يفتح كشك النار على عدة أفلام مرة واحدة.
يقول: فيلم «رحلة عمر» ما موضوعه؟، موضوع الفيلم كما كتبت الصحف هذا الأسبوع، امرأة لا يقوى زوجها على إشباعها جنسيًا، فتلجأ إلى رجل آخر لترى فيه رغبتها، وتشبع مزاجها، ويؤتى بجهاز تسجيل، لتسجل ما يدور بينها وبين الرجل الآخر من الحركات الجنسية، ليقوم زوجها بسماع «الريكوردر» فتقوى عنده الحالة الجنسية.
ويقول ثانيًا: فيلم آخر اسمه «حلوة وشقية»، البطلة داخل الحمام، وتفتح الباب وهى عارية، وتقول: ناولونى الصابونة، فهل شبابنا فى حاجة إلى أن يروا امرأة داخل الحمام؟.
ويقول ثالثا: فيلم آخر «٢٤ ساعة حب»، فماذا بقى طول الليل والنهار، لا صلاة لا زكاة لا شىء لا عمل، ٢٤ ساعة حب، ٢٤ ساعة خيبة.
ويقول رابعًا: باتت مصر بالأمس مع فيلم يسمى «دلال» وهو فى الحقيقة ضلال، أخذت صورة شارع محمد على حيث العوالم والعالمات، يذاع على أسماع شبابنا وبناتنا ونسائنا فى ليلة الجمعة، التى قال فيها سيدنا رسول الله: أكثروا من الصلاة والسلام على يوم الجمعة وليلتها، فإن صلاتكم أسمعها بنفسى، فيلم «دلال» إخراج حسن الإمام، جمهورية حسن الإمام، لا حسن ولا إمامة، إنما هى إمامة فى النار.
فى خطبته رقم ٢٠٩ التى ألقاها فى يوم ٢٥ فبراير ١٩٧٧، ينقل كشك ما قرأه فى جريدة الجمهورية وأفزعه على حد تعبيره، يقول: نشرت الجمهورية تحت عنوان «جنس ناعم» لإحدى البطلات ولأحد الأبطال، وقالت إن هذا الفيلم وصل عدد القبلات فيه إلى تسع وثلاثين قبلة، إننى من هذا المكان أحملك يا وزير الإعلام مسئولية إفساد الشباب أمام الواحد الديان، يا وزير الإعلام لا يغرنك كرسيك، فإنها لو دامت لغيرك ما وصلت إليك، أتراقبون ماذا يقول الخطيب، ولا تراقبون ماذا فعلت ماجدة وسمير صبرى؟، أستغفر الله سوسو صبرى، أتربون الشباب والفتيات على هذه الموائد الفاسدة؟، جنس ناعم عدد القبلات فيه تسع وثلاثون قبلة.
وبتعال شديد يحيط به جهل أشد، يقول كشك فى الخطبة رقم ٣١٣ التى ألقاها فى ١٣ أبريل ١٩٧٩: صدرت جريدة الجمهورية الغراء، تقول تحت عنوان «السينما تحتضر»، أهذه مشكلة؟، وأخذوا يطرحون الآراء: لماذا تحتضر السينما؟.. قالوا لأن الدولة تدخلت فى شئونها، قال عبقرى آخر بل إن أجرة الممثلين والممثلات الأحياء منهم والأموات قد زادت وارتفعت.
يقطع كشك الطريق على ما قرأه، ليقول هو: لا تقولوا السينما تحتضر، إنما قولوا الأخلاق تحتضر، المروءة تحتضر، الكرم والإخلاص وروح التعاون تحتضر.
وبعد أن يترك السينما يمسك بثوب نجوى فؤاد التى يقول عنها: أدلت السيدة الجليلة نجوى فؤاد بحديث قالت فيه. اسمعوا، اسمعوا ماذا قالت السيدة نجوى فؤاد، قالت إن الراقصات المعتمدات رسميا عندنا ثمانى راقصات ويوجد ألفا راقصة، ألفا بألف التثنية هكذا والنون حذفت للإضافة، يوجد ألفا راقصة لا يجدن الرقص، لأنهن هاربات من بيت الزوجية، زوجات يهربن من بيت الزوجية ليعملن راقصات، هكذا أدلت السيدة الجليلة، لا تعلموا البنات الرقص.
كانت أسماء الأفلام تشغل بال الشيخ كشك وتؤرقه، وكثيرا ما تحدث عنها، فى الخطبة رقم ٥٩ التى ألقاها فى العام ١٩٧٣، يقول: عندما قرأت قائمة الأفلام النازلة، كأننى شعرت بقشعريرة تنتاب بدنى، اقرأ هذه الأفلام وقائمتها، فى القاهرة «الشياطين والكرة»، نمرة اتنين، الفيلم الذى ينتظره الملايين «امرأة سيئة السمعة» بطولة شمس البارودى، هذا وضع للشىء فى منصبه، «امرأة سيئة السمعة» فيلم ينتظر عرضه الملايين، الملايين تنتظر الشهادة فى سبيل الله، أم تنتظر فيلم المرأة السيئة السمعة؟، «السلم الخلفى»، «مدرسة المراهقين» للأسبوع الثانى، «عندما يغنى الحب» و«حمام الملاطيلى» و«الدرجة الثالثة».
ودون أن يكون السياق مناسبًا، يقول كشك: أفلام والله لو دُعى إليها يوسف بن يعقوب، لقال.. «رب السجن أحب إلى مما يدعوننى إليه، وإلا تصرف عنى كيدهن أصبُ إليهن وأكن من الجاهلين».. فهذه الأفلام فيما يبدو لم يدع إليها أحد كشك ولا الذين يستمعون إليه، لكن ولأنه كان يعتبر نفسه وصيًا على المجتمع، ومتحدثًا باسم الأخلاق، فقد مارس تشويهًا للسينما ولما تفعله، ليس من ناحية محتوى الأفلام فقط، ولكن من ناحية إفسادها لطلاب المدارس، ولم يكن غريبًا أن أجده يقول وبمنتهى السذاجة فى نفس الخطبة: السينما تفتح من العاشرة صباحا ويتركون حصة الرياضة، حصة اللغات، حصة الأحياء والكيمياء، ويذهبون حتى لا يفوتهم عرض العاشرة.
هل طالت بنا النماذج لما قاله كشك عن السينما؟
اعتبروا هذا النموذج الأخير، فى الخطبة رقم ١٧٧ التى ألقاها فى شهر يونيو ١٩٧٦، يقول: شاب جامعى دخل دارًا من دور السينما، وشاهد فيلمًا، وكان فى الفيلم بطل ساقط يقبل بطلة ساقطة، وطالت القبلة لدرجة أن الشاب فقد أعصابه فمزق قميصه وصاح كالحمار فى وسط السينما، وألقى القميص على المتفرجين، وحُوّل الشاب إلى المحاكمة، وأمام السيد وكيل النيابة أمر بحبسه شهرًا مع الأشغال، لماذا؟، لأنه أثار أعصاب المتفرجين، وخرج على الآداب العامة.
يوجه كشك كلامه إلى من نفذ القانون: يا سيادة النائب المحترم، قبل أن تحكم على هذا المظلوم الفريد الضحية بشهر سجناٍ، كنا ننتظر كلمة عن الفيلم الساقط، قبلة تستمر ربع ساعة، تثير أعصاب الشباب، هل تكلم أحد عن مثل هذه الأفلام؟، لا لأن فؤاد المهندس يضع رجله فى وجوه الشعب تحت عنوان «ليه ليه»، ليه ربنا خيب هذا البلد، ليه؟، ما هذا الذى نعيش فيه؟، «ميرامار» و«لصوص ولكن ظرفاء»، ويخرج البروفيسور عادل إمام ويقول: أنا بلدى طنطا وأنا أحب أعيش أونطة، البلد كلها أونطة، الشعب كله أصبح أونطة.
اخترت النموذج الأخير ختامًا لما قاله كشك عن السينما وهو كثير جدًا، لأقول لك إننا أمام داعية دَعىٍّ مدلس، فأى فيلم هذا الذى تستمر فيه قبلة لمدة ربع ساعة، لم نره ولم نسمع عنه، لكن هذه عادة الشيخ ولن يشتريها، طريقته فى المبالغة، واللعب بخيال مستمعيه إلى أقصى درجة، فتخيل هؤلاء المساكين الذين يجلسون أمامه يتلقون ما يقوله، وكأنهم يتلقون الوحى المنزل من السماء، يجدون من يحدثهم عن قبلة تستمر لمدة ربع ساعة فى فيلم سينمائى، فيصبح من المقبول لديهم أن تعبث هذه القبلة بأعصاب شاب يشاهد الفيلم فى دار العرض، فيهتاج على من يحضرون الفيلم ويمزق قميصه.
فى كل مرة كان كشك يحرص على توثيق ما يقوله، فينسبه إلى الصحافة، التى يبدو أنه كان حريصًا على مطالعتها باستمرار، لا ليعرف فقط ما يحدث فى الدنيا، ولكن ليتصيد ما يعتقد أنه أخطاء فى المجتمع، وفيما يبدو أكثر أنه كان مهتمًا بأخبار المشاهير ونجوم المجتمع، فيتتبع ما يقولونه، وما يقال عنهم، لكن ما كان يقوله عن الأفلام يؤكد أنه كان يدفع بمن يشاهدونها، ثم يجلسون إليه ليستمع منهم إلى ما يحدث بالحركة والنفس، ويبدو أنه كان يستمتع بذلك.
فى خطبته الثانية كل جمعة كان كشك يوفر نفسه لتصفية خصوم مشروعه كما يعتقد هو، فينسب إليهم كل شر، وينزع عنهم كل خير، ونادرًا ما كان يفرغ منها دون أن يأتى على أحد العاملين فى المجال الفنى تحديدًا، وواقع الأمر أنه لم يكن يوجه لهم نصيحة، بل كان يجرسهم بالمعنى الشعبى للكلمة.
هل أعود بكم مرة أخرى إلى السؤال الأول، وهو لماذا هاجم كشك نجوم الفن وشن حملته المتواصلة على السينما وأفلامها؟
والإجابة التى يمكن أن أركن إلى منطقيتها من خلال متابعة دقيقة لملامح مشروع كشك الدعوى أراها فى نقاط محددة هى:
أولًا: كان كشك عدوًا لأى إبداع، وأى شكل من أشكال الفنون التى تحفز الشباب على التفكير، فهو يعرف جيدًا أن القدرة على التفكير والإبداع ستكون حائلا دون نجاح مشروع الجماعات الإسلامية، الذى يقوم على السمع والطاعة.
ثانيًا: هاجم كشك نجوم السينما لحساب نفسه، فمعنى نقده لهم وهجومه عليهم، أنه نفسه الوجه الآخر لهم، فهو الذى يدعو إلى الله وهم لا يعرفونه، يحرض الناس على التمسك بمكارم الأخلاق، وهم يحرضون الناس على الفسق والفجور وفعل كل ما يخالف الأخلاق، وهو الحريص على الشباب ومستقبلهم ودراستهم، وهم يشغلون الناس عن كل وأى شىء جاد.
هذه الندّية التى أراد أن يظهر بها وعليها الشيخ كشك، جعلته يلجأ إلى ما يمكن اعتباره «الدعوة الشخصانية»، فهو لا يدعو إلى معان مجردة، ولكن يمعن فى شخصنة الأمر، فيهاجم الناس بأسمائهم، ولا يكتفى بالهجوم، ولكن يسخر منهم ويلصق بهم أسماء وصفات حتى يطاردهم الناس بها، ومؤكد عندما يحدث ذلك فسيظل الشيخ نجمًا، يتردد اسمه.
هل أدلكم على أغرب ما وجدته وأنا أتتبع سيرة كشك، لقد وجدت مثقفين وصحفيين ومفكرين أحيانًا، يرددون سخريات كشك وفكاهاته ونكاته التى أطلقها على أهل الفن، ويتبادلون الضحكات عليها، صحيح أنهم يفعلون ذلك فى الغالب لتزجية الوقت، لكنهم دون أن يدركوا كانوا أداة من أدوات ترويجه، دون الالتفات إلى الخطر الكبير الذى كان يشكله ولا يزال.
ثالثًا: اختار كشك بقصدية شديدة أن يشيطن الوسط الفنى كله، واستخدم فى ذلك كلمات وتوصيفات يعرف جيدًا أنها ستؤتى ثمارها لدى العامة، فلا يصف النجم إلا بالساقط، ولا يتحدث عن النجمة إلا بالساقطة، فما الذى ينتظره الناس بعد ذلك، وهو يجعل من الذين يعملون بالفن شياطين تمشى على الأرض، لقد أراد إخلاء هذا الوسط، ليخلو له ولجماعاته الطريق تمامًا.
هل أدلكم على الصورة التى كنت وما زلت أراها فى الشيخ كشك وهو يقف على المنبر، مع احترامى الشديد لكل الآراء التى قيلت عنه وفيه ومن أجله، إنه ودون مبالغة فى التوصيف، لم يكن أكثر من نبطشى.
بلغة السجون النبطشى هو فتوة الزنزانة، وهو فى الغالب أقدم السجناء بما يمنحه خبرة ومعرفة بكل شىء، كما أنه فى الغالب الأكثر إجرامًا وفُجرًا وقدرة على إيذاء الغير، ويكون كل عمله فى السجن هو تحصيل الإتاوة التى يطلق عليها النبطشية، وهى عبارة عن مبلغ من المال يدفعه السجناء للفتوة البلطجى حتى يكف عنهم أذى السجناء الآخرين.
بهذ المعنى يمكن اعتبار كشك نبطشى الجماعات الإسلامية، فهو كان يقوم بالنيابة عنهم بتكسير عظام أهل الفن الذين لا يقدر عليهم قيادات الجماعات، ثم إنه يحرقهم لدى الناس، حتى يكون الطريق سهلًا وبسيطًا وميسرًا لتجنيد وافدين جدد فى صفوف هذه الجماعات.
ويمكن أن نركن إلى النبطشى بمعناه الشعبى المتداول فى الأفراح الشعبية، فهو الشخص الذى يحفظ الكثير من الجمل التى يرددها على خشبة المسرح، حتى يضمن الحصول على أكبر قدر من النقوط، وهو معنى ينطبق على كشك الذى كان يجيد السخرية والسب واللعن والشتائم للجميع، ولم يكن النقوط هنا إلا الأشخاص الذين كان يجمعهم ويزج بهم زجًا فى كهوف الجماعات المتطرفة.
لم يكن هجوم كشك المبتذل والمتدنى على أهل الفن لوجه الله، فلا يمكن أن يقوم أحدهم بإيذاء الناس ويقول إنه يفعل ذلك لوجه الله، فالله الطيب لا يقبل إلا الطيب فقط.
لقد تأملت علاقة كشك بنجوم الفن، وقارنتها بعلاقة عدوية بهم.
ستقول لى إن المقارنة هنا ليست موضوعية على الإطلاق، فكشك عدو لهم، أما عدوية فهو واحد من الوسط الفنى، ومن الطبيعى أن تكون علاقته بهم طيبة.
سأقول لك إن حالة الخصام التى أبداها كشك ليحصل على ما يريد، قابلتها حالة من الود أبداها عدوية ولم يكن يريد من ذلك شيئا على الإطلاق، لأنه كان متحققًا بنفسه وبما قدمه، ولم يسع هو إلى أهل الفن بل هم الذين سعوا إليه.
كان عدوية ولا يزال يتحدث باحترام وتوقير لكل من عرفهم بأهل الفن، بل يعتز بعلاقته وذكرياته معهم.
شهرة عدوية الطاغية جعلت عبدالحليم حافظ أهم مطربى عصره يبحث عنه، ويقربه منه.
عدوية هو الذى يحكى.
يقول: لما فرقعت أغنياتى عرفت أن عبدالحليم مهتم بىّ وبيسأل عنى، أيامها كان فاروق سلامة عازف الأكورديون أعز أصحابى، عرفته قبل ما بليغ يكتشفه ويقدمه لأم كلثوم وحليم، وفى يوم عزمتنى شريفة فاضل على حفلة عندها فى البيت، أخدت فاروق ورحنا، وفوجئت إن عبدالحليم موجود، ومعاه بليغ حمدى. كان بليغ يمسك بالعود، ويدندن جزءا من أغنيته لحليم «أى دمعة حزن لا»... وتحديدًا الجزء الذى يقول فيه: «قلبى دق دق.. قلت مين على البيبان دق، قالى افتح ده الزمان.. قلت له يا قلبى لا.. جى ليه يا زمن.. بعد إيه يا زمن».
بمجرد أن رأى عدوية قال له: تعالى يا أحمد قول الجملة دى بطريقتك، إنت بتشكل فى النغمة، لكن بتيجى معاك صح.
يقول عدوية: قعدت وغنيت معاه، وفى يوم كان عندى فرح فى الهيلتون دخلت لقيت عبدالحليم موجود، وبكل محبة قام وغنى «السح الدح إمبو» بطريقته، قلت أرد له التحية، مسكت الميكروفون وغنيت له خسارة خسارة فراقك يا جارة بطريقتى، وكانت ليلة البلد اتكلمت عنها، وقالوا عبدالحليم هيعمل دويتو مع عدوية.
ولأن هناك دائمًا رواية أخرى، يقول عدوية عما جرى: «كان عبدالحليم يحيى حفل زفاف فى أحد الفنادق الكبرى بالقاهرة، وكان يغنى أغنيته الشهيرة «خسارة خسارة»، فسحبت منه الميكروفون، ورحت أغنى «السح الدح إمبو»، فانتاب حليم ضحك هستيرى بعد ما فعلته، ووقتها أصررت على أن يغنى معى هذه الأغنية، هذا ما فعله بالضبط».
هذا عن حليم، فماذا عن أم كلثوم؟
لم يقابل عدوية السيدة أم كلثوم وجهًا لوجه، لم يجمعهما لقاء، إلا أنها كانت مثل الآخرين تعرفه، وربما سمعته، ولن يكون غريبًا إذا عرفت أنها كانت معجبة ببعض أغنياته.
مرة واحدة تحدث فيها عدوية إلى أم كلثوم، يومها كان سهران فى بيت فاروق سلامة، واتصل محمد عبدالوهاب بفاروق، كان عبدالوهاب موجودًا فى بيت أم كلثوم، ولما عرف أن عدوية موجود طلب أن يسلم عليه، وقبل أن ينهى مكالمته معه، أخذت أم كلثوم السماعة منه وقالت له فيما يبدو كلامًا أعجبه، لأن عدوية يكرر دائمًا أن الست كانت معجبة به وتحبه، وعندما جمعته الصدفة مرة مع الدكتور محمد حسن الحفناوى زوج الست أم كلثوم، قال له: كانت بتحبك قوى، وبتقول إن عندك بحة فى صوتك جميلة، وإنها حاجة ربانية مش ممكن أى حد يقلدها.
حاولوا أن تستوعبوا المقارنة، لتعرفوا أن ما قاله كشك عن نجوم الفن، كان خارجًا من روح تكره الحياة، أما ما قاله عدوية عنهم فكان خارجًا من روح تحبها، وأعتقد أن هذا فارق كبير جدًا بينهما.