رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. محمود خليل يكتب: الكراهية.. كيف تصنع تكفيريًا بالقرآن والسُنة؟!

محمود خليل
محمود خليل

الجماعات المتشددة تؤمن بفكرة «الكراهية» فالحب كل الحب يبذله العضو لأفراد الجماعة وأميرها، أما الآخر فهو دائمًا موضع كراهية ومن الواجب التعالى عليه بل احتقاره. ويتم تكريس مسألة الكراهية داخل الجماعة من خلال ثلاث أفكار تشكل فيما بينها مثلثًا، يشتمل على ثلاثة أضلاع. الضلع الأول هو المفاصلة، والثانى الحب فى الله، والثالث التعالى على الآخرين.

فكرة المفاصلة تعنى أن يتبرأ عضو الجماعة المتشددة من أى فكر يخالف فكر التنظيم، وأن يفهم أن الجماعة هى أهله وناسه، وأن من يحاربها حتى ولو كان أقرب الناس إليه، لا بد أن يفاصله، وأن يقطع شرايين العلاقة بينه وبينهم. وما أكثر ما يردد المتشددون الآية الكريمة- من سورة براءة- التى تقول: «قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِين»َ (سورة التوبة- الآية ٢٤). ورغم أن هذه الآية جاءت فى سياق مختلف، لأن آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأزواجنا وعشيرتنا، ليسوا من المشركين على وجه الإطلاق، إلا أنها تستخدم بإفراط بغرض تكريس فكرة المفاصلة والتبرؤ من كل ما هو مخالف ومختلف مع الجماعة. فأهل وعشيرة العضو هم إخوانه فى الجماعة الذين يذوبون معًا، وينصهرون فيما بينهم من أجل تحقيق مشروع الجماعة، لذلك لا يقبل بسهولة أن يتزوج عضو الجماعة من خارجها. فالزوجة لا بد أن تكون «ملتزمة»!. ومفردة: «ملتزم» وكذلك مفردة: «ملتزمة» من الأوصاف التى تتردد على ألسنة أعضاء الجماعات المتشددة فى تصنيف البشر. فهذا «ملتزم» وذاك «غير ملتزم»، وهذه «ملتزمة» وتلك «غير ملتزمة» وهكذا. والالتزام هنا ليس معناه الامتثال لأحكام الدين بحال، بل ينصرف مدلوله إلى الانصياع لفكر الجماعة. الحب فى التنظيم لا بد أن يكون «حبا فى الله». والحب فى الله معناه ببساطة أن تحب إنسانًا لأنه يحرص على إرضاء الله، حتى تكون فى الفئات التى يظلها الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله، استنادً إلى قول النبى صلى الله عليه وسلم: «ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه»، كما ورد فى الحديث الشريف، وهو الرباط البديل، لمحبة الأهل المفارقين للجماعة، ومحبة الأصدقاء الذين يغردون خارج سربها، بل بديل أيضًا عن الحب بمدلوله العاطفى الذى ينشأ بين شاب وفتاة، أو رجل وامرأة. الضلع الثالث من أضلاع التربية على الكراهية داخل الجماعات المتشددة يرتبط بفكرة «التعالى بالإيمان». فالمسلم لا بد أن يعتز بإسلامه، والمؤمن لا بد أن يعتز بإيمانه، وأن يكون متعاليًا على الخارجين عن حظيرة الإسلام والمتفلتين من دائرة الإيمان، إعمالًا لقوله تعالى «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ » (سوة المنافقون- الآية ٨). وتتطور الفكرة بعد ذلك داخل جماعة الإخوان لتصبح معبرة عن نوع من الاستعلاء بـ«الإيمان الإخوانى»، والانتماء إلى الجماعة الناجية التى لولاها لضاع الإسلام، الجماعة التى سوف تعيد إلى الإسلام عزه ومجده، فالوظيفة المنوطة بأعضاء الجماعة عظيمة، وعلى قدر عظمة الوظيفة ينبغى أن يعلو شعور الإنسان بالعظمة والأفضلية على هؤلاء المغردين خارج سربه، وبقدر ما يجب على العضو أن يكون مستعليًا على غيره، لا بد أن يكون طائعًا ذليلًا لإخوانه، وخصوصًا إخوانه المسئولين عنه، إعمالًا لقوله تعالى «أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين» (سوة المائدة – الآية ٥٤). فهذا الاستعلاء لا بد أن يتحول إلى صورة متكاملة من صور المذلة وأنت تتعامل مع أمير الجماعة أو أعضائها، فتتراقص معهم مثل بندول الساعة دون تقديم أو تأخير.
ولو أننا تأملنا هذا المثلث الفكرى للعقل المتشدد بقدر من العمق، فسوف ندرك بسهولة أن الهدف الأساسى منه يرتبط بزرع الكراهية فى النفوس، الكراهية للآخر، أيًا كان هذا الآخر: أبا أو أما أو أخًا صديقًا أو رفيقًا أو جارًا أو زميلًا أو شريكًا فى الوطن. ولا تستطيع أن تتقبل هذه الأفكار سوى النفوس التى تتمتع بتربة خصبة للعيش على الكراهية واحتقار الآخرين والاستعلاء عليهم. فالزرعة لا تنبت إلا فى التربة المناسبة لها، ولا يقوى على حمل كل هذه الكراهية داخل نفسه إلا من هو مؤهل لذلك ولديه الاستعداد لمنح بذور الكراهية فرصة أن تكبر وتترعرع حتى تصير أشجارًا كثيفة يصعب اقتلاعها.