رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«عم محرز».. «صول الصاعقة» يدخل إلى السجن صدفة

جريدة الدستور

- من كان يخالف أوامر «الأمير» كان يتعرض للضرب

البعض كانوا يحيون كمتشردين أو ضالين فى الزنازين لا لشىء سوى أنهم فقراء، أو لأنهم ليسوا من أصحاب الشهادات العليا.. نعم كانوا متشردين.. عم «محرز» بلدياتى، لأنه لم يحصل على شهادة عالية عاملوه معاملة سيئة.. الرجل لم يفعل شيئًا يستحق عليه الضرب من رفقائه.. ربطوه بحبل، وعلقوه فى شباك الغرفة لأنه عصى أمر الأمير، ورفض لعب طابور الصباح الرياضى!

أصدر أمير السجن فى هذا الوقت- وهو محمد يحيى- أمرًا بأنه من قطع أرغفة الخبز فهو ليس تابعًا للجماعة!
كانت غالبية من فى الغرف تقطع أرغفة الخبز وتخالف الأمر مما حداه أن يتبع أمره أمرًا آخر وهو من خالف أوامر أمير السجن يُقاطع ولا يتكلم معه أى إنسان.
فى أول يوم يسكن زنزانتنا حكى لى، أنه كان من قوات الصاعقة- صول- التى ذهبت إلى قبرص لتأتى بجثة وزير الثقافة يوسف السباعى، وأنا كنت أقول له:
«أمال إيه اللى جابك فى الزنزانة؟!»
يقول: «كنت أعمل مقيم شعائر فى مسجد.. إخوانك عملوا حلقة تلاوة ولم أقدر على منعهم.. فظن الأمن أننى أساعدهم».
جاء ضباط رجال المباحث قبل أن يكمل لى قصته... قالوا لنا إن زعيمكم طلعت ياسين قتلناه.. انهار البعض ليس حبًا فيه، ولكن بعضهم تصور أن عملياته القتالية التى ستخرجهم من السجن ستتوقف ولن يخرجوا. وقف ضباط رجال المباحث مشدوهين، وجمعنا «شاويش» العنبر، ثم اقتادوا نحو ٧٠ وأنا منهم إلى بوابة السجن.. ألبسونا لباسًا جيدًا، وأركبونا سيارات فاخرة.. قالوا لنا إننا سنحضر ندوة دينية ثم يتم الإفراج عنا.. أمير السجن نبه على الجميع ألا يستمعوا لعلماء الأزهر:
«الحوار إملاء.. الحوار مع شيوخنا فقط وخارج السجون».
أدخلونا إلى دار الإفتاء.. وزعوا علينا مجموعة من المصاحف والكتب الدينية، وعلب حلوى المولد النبوى.. فتحت علبتى وأكلت بينما كلهم ينظرون إلىّ.. كانوا ينتظرون أبوعابدين لكى يأمرهم بابتلاع الحلوى.. دخل ثلاثة من علماء الأزهر.. أعطى الجميع ظهورهم وهم يأكلون ما تبقى من الحلوى، ثم هتفوا:
«يا علماء اتقوا الله لا حوار مع الإكراه»
لا أنا ولا عم محرز هتفنا.. قبل أن يصرخ فينا أحد الشيوخ:
«دى قلة أدب»
انصرفوا على الفور، ودخل الضباط بغضب:
«أرجعوهم إلى السجن»
عم محرز قال:
«أنا كنت أريد سماع العلماء.. صدقونى لم أهتف.. الله يخرب بيت أبوعابدين، وبيتكم كلكم».
سمعوه فأوشوا به لأميره أبوعابدين، وعاد إلى السجن، ليرى الويلات، حيث أصدروا أمرًا بمقاطعته، وهذا يعنى ألا يتحدث معه أحد، وألا يأكل معهم.
حين غيروا تسكين الغرفة طلبوا ألا يسكن معهم محرز، لأنه لا يدفع اشتراك الكنتين ولا ينزل النوبتجية فى المطبخ، وأنه لا يسمع أو يطيع، والغريب أن الرجل كان يفقه من أمور الحياة ما يعجز عنه غيرهم، ويعى من أمور السياسة والحزبية ما لا يعيه أغلبهم.
لقد حصلوا على أعلى الشهادات حين تحسنت الأحوال بالسجون، لأنهم أجازوا لأنفسهم ساعتها أن ينقلوا من الكتب إلى ورق الإجابة، واستغلوا تعاطف المراقبين مع حالتهم، وانشق السجن إلى نصفين، ما بين من يفتون حل الغش وحرمته، ولم يحسم شىء.
أفرج عن عم محرز فجأة، وعقب صدور القرار، نظر إلىّ قائلًا بهمس: ربنا يعينك على المجرمين وأميرهم.