رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«المتشيعات».. أسرار نساء الشيعة فى رمضان

جريدة الدستور

- اللبان والسجائر «مباحة».. التراويح «بدعة».. والإفطار بعد المغرب بساعة
- يتبعون مذهب «الإثنى عشرية».. مرجعيتهم فى «النجف الأشرف».. ويصومون على التوقيت العراقى
- صلاة «ليلة القدر» حتى مطلع الفجر فى مسجد الحسين


يحظى شهر رمضان بطقوس وعادات خاصة عند عموم المسلمين، على اختلاف طوائفهم، تختلف عن باقى أيام السنة، نظرًا لمكانة الشهر الكريم، ورغم تشابهها بصورة كبيرة فى غالبية البلدان الإسلامية، فإنها تتباين لدى أبناء المذهب الشيعى. وإن كانت مصر عرفت فى بعض فتراتها التاريخية انتشارًا للفكر الشيعى، إلا أن مذهب أهل السنة الذى يتبعه عموم المصريين حاليًا جعل من بعض العادات والاجتهادات الفقهية لهذه الطائفة فى رمضان شيئًا مستهجنًا ومستغربًا، فى ظل قلة أعدادهم فى «أم الدنيا».

«الدستور» التقت بعض الشيعة المصريين، وسألتهم عن طقوسهم فى رمضان، وفى أى شىء تختلف عاداتهم فى شهر الصيام عن غيرهم من أهل السنة، ورصدت آراءهم حول بعض الآراء الفقهية الشيعية المثيرة للجدل، بالإضافة إلى التعرف على سُبل اعتناق بعضهم هذا المذهب غير المنتشر فى مصر، خاصة النساء.

صوم الحائض جائز.. صلاة نوافل فردية فى المنازل.. وليلة لإحياء ذكرى مقتل الإمام على
الاختلاف بين السُنة والشيعة فى الشهر الكريم يبدأ من اسم الشهر نفسه، ففى الوقت الذى يحتفى فيه المسلمون السُنة بقدوم شهر رمضان، يطلق عليه الشيعة مسمى «شهر الله»، وإن كان توقيته، الذى يبدأ عقب آخر ليلة من شهر شعبان، لا يختلف بين الطائفتين.
الشيعة يستقبلون «شهر الله» كغيرهم من المسلمين بالأدعية والاستغفار والصلاة، وإن كانوا يرفضون صلاة «التراويح» التى يعتبرونها بدعة تستوجب غضب الله، لأنها بدأت بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب، لذا يستبدلونها بقيام الليل بشكل فردى، كما يرفضون زيادة عدد ركعاتها على ٨ ركعات.
ويرى الشيعة أن صلاة النوافل لا تكون جماعية، بل فردية، تُقام فى البيوت تطوعًا، ابتعادًا عن مظاهر الرياء والشهرة، لذا يرفضون إقامتها جماعة فى المساجد، ويصفونها بـ«البدعة العمرية»، نسبة للخليفة عمر بن الخطاب.
بالإضافة إلى اسم الشهر، ورفض صلاة التراويح، يعتقد الشيعة المصريون فى وجوب تأخير موعد الإفطار إلى ما يقرب من الساعة، بعد أذان المغرب، ويستندون فى رأيهم هذا إلى اجتهادات بعض علماء الطائفة الشيعية، التى ترى فى وجوب التأكد من غياب نور الشمس بشكل كامل، قبل الإفطار فى رمضان.
ويستند هؤلاء العلماء فى اجتهادهم هذا إلى آية: «أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل»، لذا يعتقدون أن وقت المغرب لا يعنى غروب الشمس بشكل كامل، لذا يجب الانتظار، واستمرار الصيام، لما بعد حلول الظلام.
وفى منتصف الشهر الكريم، يوم ١٥ رمضان، تقيم بعض طوائف الشيعة فى مصر والعالم أحد أهم طقوسهم الدينية، ويحتفلون فى هذا اليوم بذكرى مولد الإمام الحسن بن على، عليه السلام، كما يحتفون ليلة ٢١ رمضان، بذكرى مقتل الإمام على بن أبى طالب على يد عبدالرحمن بن ملجم، ويطلقون عليها اسم «ليلة الضربة».
كما يختلف الشيعة عن السُنة فى طريقة تحديد موعد ليلة القدر، التى تحين فى الثلث الأخير من رمضان، ويرون أنها تحل فى ليالى ١٩، و٢١، و٢٣ من الشهر الكريم، فى الوقت الذى يرى فيها معظم السُنة أنها تحين فى الليالى المتأخرة عن ذلك، فى ليالى ٢٥ و٢٧ و٢٩ من الشهر الكريم.
وتشهد ليلة القدر بعض الطقوس الخاصة التى يلتزم بها الشيعة على اختلاف طوائفهم، منها التزامهم بالاغتسال عقب غروب الشمس، ثم يصلون ركعتين ويقرأون فى كل واحدة منهما سورة الإخلاص ٧ مرات، ثم يكررون قول «أستغفر الله وأتوب إليه» ٧٠ مرة، إلى جانب قراءة بعض الأدعية المأثورة، مثل دعاء «الجوشن الكبير»، ودعاء «رفع المصاحف»، كما يلتزم مجموعة منهم بزيارة مرقد الإمام الحسين، والصلاة فيه، إلى الفجر.
وكما يختلف الشيعة فى تحديد موعد الإفطار وطقوس الشهر الكريم، فإنهم يتبعون أيضًا بعض الاجتهادات الفقهية التى لا يؤمن بها غيرهم من المسلمين من أهل السنة، على رأسها، إباحة مضغ «العلكة» أو «اللبان»، أثناء الصيام، بالإضافة إلى إباحة شرب السجائر.
ووفقًا لمكتب الفتوى التابع للمرجع الدينى الأعلى للشيعة فى العراق، فإن «مضغ العلكة فى نهار رمضان لا بأس به، وإن وجد له طعمًا، ما لم يتفتت إلى أجزاء تتسرب فى الحلق، كما أباح مكتب الفتوى للمسلمين الشيعة شرب السجائر أثناء الصيام، مع تنبيه بعض الفقهاء على ضرورة ألا تزيد على ٣ سجائر يوميًا».
كما يتبع الشيعة بعض الاجتهادات الفقهية المستندة لبعض الأحاديث المنسوبة إلى النبى، والتى أوردها الشيخ محمد بن يعقوب الكلينى، فى كتابه «الكافى»، الذى يعد أحد أهم المراجع الشيعية فى الحديث النبوى، منها جواز الإفطار للصائم فى حالات السفر، أو عند عبور أى نهر، بالإضافة إلى وجوب الإفطار على من أدرك الفجر وهو لم يغتسل من الجنابة.
بالإضافة إلى ذلك، يرفض فقهاء الشيعة الاجتهاد المتبع عند أهل السنة الذى يرى بوجوب إفطار المرأة الحائض، ويؤكدون وجوب استمرارها فى الصيام، معللين ذلك بعدم وجود نص قرآنى يمنع المرأة من الصوم إذا حاضت، كما يرفضون مبدأ استئذان المرأة لزوجها قبل صيام القضاء، وفق نص الحديث النبوى: «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه»، معللين ذلك بأن الفرض لا يجوز الاستئذان فيه.

الطاهر الهاشمي، القيادي الشيعي، يؤكد أن شهر رمضان له مكانة خاصة عند الجميع سواء سنة أو شيعة، وعلى الجميع الاجتهاد فيه بكل الطرق سواء بقرآة القرآن أو الصلاة على النبي وأهل بيته وتأدية العبادات المفروضة والسنن.

ويوضح أن الشيعة لا ينتظرون ساعة كاملة بعد أذان المغرب حتى يأذن لهم بالإفطار، ولكن ينتظرون من 12 دقيقة إلى ربع ساعة فقط ولا تزيد عن ذلك، حتى يكون دخل الليل وغربت الشمس.

الأمر نفسه، يؤكده الدكتور أحمد راسم النفيس، أحد القيادات الشيعية فى مصر، الذى يرى أن الخلاف فى توقيت الصيام يرجع إلى التزام الشيعة بنص الآية: «وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتموا الصيام إلى الليل».
ويضيف: «أهل السنة يفطرون مع أذان المغرب، أما الشيعة فينتظرون الليل، لأن المغرب لا يعنى بالضرورة حلول الليل، كما جاء فى القرآن الكريم، لذا لا بد من الانتظار لمدة تتراوح ما بين نصف الساعة والساعة، قبل أن يحين موعد الإفطار».

متشيعات مصريات: اعتنقنا المذهب فى الحسين وعلى الإنترنت.. وجمعيات تنشره فى القاهرة
رغم عدم وجود إحصاء دقيق حول أعداد الشيعة فى مصر، لعدم وجود خانة توضح المذهب فى بطاقات الهوية الشخصية، كما يحدث فى بعض الدول، إلا أن بعض مراكز الأبحاث نشرت عدة تقديرات حول أعداد أتباع هذه الطائفة فى العالم، التى تعد ثانى أكبر طائفة دينية فى العالم الإسلامى.
ويقوم فكر الطائفة الشيعية بشكل رئيسى حول فكرة التشيّع للصحابى على بن أبى طالب، الذى يرون فيه الخليفة الشرعى للمسلمين، وينحازون إليه فى الخلاف مع معاوية بن أبى سفيان، كما يرون أن إمامة المسلمين لا تكون إلا فى نسله من بعده.
ويبلغ تعداد الشيعة نحو ٤٠٠ مليون نسمة، بما يساوى ١٦٪ من إجمالى أعداد المسلمين فى العالم، ويعيش ١٤٧ مليونًا منهم فى قارة آسيا، ويتمركزون فى دول إيران والعراق وباكستان والهند، فى حين يبلغ تعدادهم فى الدول الإفريقية أقل من ٤٤ مليونًا.

كما تبلغ نسبة الشيعة فى البلدان العربية على اختلاف مدارسهم ٦٥٪ من إجمالى سكان العراق، و٧٠٪ من سكان البحرين، و٤٠٪ من سكان اليمن، و١٥٪ من سكان السعودية، و١٢٥ من سكان سوريا، و٣٠٥ فى لبنان، و٣٥٪ فى الكويت، و١٠٪ من سكان عمان والإمارات، فى حين تقل النسبة عن ١٪ من سكان مصر.
ووفقًا لهذه النسب، ترفض معظم مراكز الدراسات المعتمدة، من بينها مركز «ابن خلدون» للدراسات الإنمائية، التقديرات التى سبق أن أدلى بها بهاء أنور، المتحدث الرسمى السابق باسم الشيعة المصريين، الذى صرح بأن أعداد الطائفة بلغ ٣ ملايين شخص فى مصر وحدها، مقدرين العدد بأقل من نصف ذلك.
وطرح معهد أبحاث الشرق الأوسط فى واشنطن، خلال ٢٠١٤، دراسة بحثية، عما سماه بـ«المد الشيعى»، ذكر فيها أن الطائفة الشيعية أصبحت تتمركز فى مناطق خاصة داخل مصر، من بينها محافظة الدقهلية، وعلى الأخص مدينة المنصورة، وفى الشرقية بمنطقة كفر الإشارة بالقرب من الزقازيق، بالإضافة إلى بعض قرى مركز قويسنا فى المنوفية، وكذلك بين المجموعات الصوفية فى أسوان.
كما أشار المركز إلى وجود شيعى مكثف فى مدينة طنطا بمحافظة الغربية، وفى محافظتى أسيوط وسوهاج، وبعض أحياء القاهرة القديمة، إلى جوار مزارات آل البيت.
وكما تؤكد القيادات الشيعية فى مصر، فإن معظمهم يتبعون المرجع الدينى الأعلى على السيستانى، زعيم الحوزة العلمية فى مدينة «النجف الأشرف» فى العراق، وهو ما يعنى أنهم يختلفون عن غيرهم من الشيعة الإيرانيين التابعين لمدرسة «قم»، والذين يتبعون المرشد الأعلى للثورة الإيرانية.
ويرفض الشيعة المصريون، خاصة النساء منهم، بعض الاتهامات التى تتواتر على مواقع التواصل، حول فكرة إجبار النساء على اعتناق هذا المذهب، تبعًا لرؤية أزواجهن، وتؤكد النساء أنهن اخترن هذا الفكر عن اقتناع كامل، بعد تجارب شخصية، ورحلات طويلة فى الدراسة والبحث، أتاحها عالم الإنترنت الرحب، الذى سمح لهن بالاطلاع على الأفكار المختلفة.
تقول هبة على، التى تبلغ من العمر ٣٠ عامًا، إنها شيعية مصرية، اختارت أن تتبع المنهج الإثنى عشرى، بعد أن بدأت رحلتها فى دراسة الفكر الدينى عام ٢٠١٦، حين بدأت تتردد على مسجد ومقام الحسين فى القاهرة، وحضور الحلقات الدينية التى كانت تعقدها بعض السيدات هناك.
وتضيف: «كانت جميع أسئلتى فى هذه الحلقات الدينية تنصب على الصحابة وقصصهم وما ورد عنهم، وكنت أشكك فى معظم ما قيل عنهم، فى الوقت الذى كنت أمجد فيه آل البيت بشكل كبير، لذا كانت إحدى المشرفات على هذه الحلقات تجلس إلىّ عقب انتهاء الخطب الدينية، لمناقشتى فى أفكارى، وهو ما زاد من شكوكى حول نهج أهل السنة».
وتابعت: «بعد ٦ أشهر من التردد على المسجد، ومقابلة هذه السيدة بشكل شبه يومى، اعتنقت فكر الطائفة الشيعية، ثم تركت بيت أهلى وانضممت للعمل والحياة مع إحدى الجمعيات الشيعية التى تهتم بنشر هذا الفكر، وجذب المسلمين إليه».
وأشارت «هبة» إلى أنها تقرأ بشكل كبير فى الكتب الشيعية، على رأسها «نهج البلاغة» الذى يحوى حكم الإمام على بن أبى طالب، كما كشفت عن أنها أصبحت تحيى مع غيرها من أتباع الطائفة ذكرى «عاشوراء»، التى لم تكن تحتفل بها قبل ذلك.
وعن طقوسها الخاصة فى رمضان، قالت: «لا توجد اختلافات فى الطقوس بين أهل السُنة والشيعة فى رمضان، وحكايات الخلافات ترجع إلى خرافات عن الشيعة، يعتقد فيها البعض، وهى لا تمت لهم بأى صلة، بل ترجع إلى سوء الفهم ليس إلا».
وأضافت: «كل الاختلاف أننى ازددت تقربًا إلى الله من خلال آل بيته الكرام، والصلاة أمام المقامات، لتطهير النفس من الذنوب والكروب، لكننى لا أؤدى كما يعتقد البعض الشعائر الحسينية، التى يمارسها بعض الشيعة، وتقوم على لطم الوجوه وضرب الأرجل، لكننى أكتفى بترديد الأدعية الخاصة بهذه المناسبات».
أما أسماء ربيع، السيدة الأربعينية، فكشفت عن أنها تعرفت على التشيّع عن طريق مواقع الإنترنت، التى كانت تجد بها إعلانات كثيرة تدعو متصفحى المدونات والمواقع إلى التعرف على عالم الشيعة، وهو ما دفعها للدخول لهذه المواقع على سبيل التجربة.
تقول: «بدأت بالفعل فى تصفح المدونات الشيعية، وتابعت صفحاتها الخاصة، وتعرفت على موقع المرجع على السيستانى، وتابعت ما عليه من فتاوى، ما دفعنى لاعتناق هذا المذهب».
وتضيف: «عندما بدأت فى التقرب إلى الله عن طريق آل البيت، حذرنى أصدقائى من الاندماج فى هذا العالم، لكننى دخلته عن اقتناع، وصرت بعدها أدعوهم إلى هذا الفكر، كما زادتنى متابعتى لقناة كربلاء وكتب الحسينية اقتناعًا بالمذهب، لذا انضممت إلى إحدى الجمعيات العاملة على نشره».
وعن طقوس نساء الشيعة فى رمضان، تقول «أسماء»: «نختلف عن أهل السُنة فى تحديد مواعيد الصلاة والإفطار، فنحن نتبع التوقيت العراقى، وعقب أذان المغرب بساعة نبدأ فى تناول الطعام، بعد التأكد من غروب الشمس بشكل كامل».
وتنفى «أسماء» مسألة السجود على حجر أثناء الصلاة، وتؤكد أن هذا ليس موجودًا إلا فى أتباع الطائفة الإمامية، لكنها لم تلحظه أبدًا فى الطائفة الإثنى عشرية التى تتبعها، رغم حضورها عددًا من الليالى الحسينية.