رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أوراق الخرباوى».. سر الخطبة التى جعلتنى أتعاطف مع «الإخوان»

جريدة الدستور

- تعاطفت مع «الإخوان» بعد خطبة لـ«كشك» حول قتل مساجين الجماعة
- اعتبرت أن عبدالناصر هو زعيم الكفار بعد خطبة لـ«كشك»


تحول شغفى لمعرفة الله ورؤيته إلى شغف غريب لمعرفة الإخوان ورؤيتهم، نعم أنا سعيت لمعرفة الله ورؤيته منذ أن بدأ وعيى بالحياة، وما ذلك إلا لأننى كنت أريد أن أحبه، وعقل ذلك الطفل الصغير ثم ذلك الصبى الغرير لا يتقبل أن يُحب من لا يراه، ثم ظهر له فى الأفق جماعة يُسجن أفرادها ويُعَذَبون لأنهم يُحبون الله، ألا يستحقون هؤلاء أن نُحبهم؟.

هكذا قال لى عقلى الذى بلغ الخامسة عشرة من عمره بالكاد. ولذلك استمرت رحلة يوم الجمعة من بيتى فى منطقة الزيتون إلى مسجد عين الحياة بحدائق القبة لكى أستمع للشيخ كشك وهو يروى لنا قصص تلك الجماعة. كان المجتمع المصرى منذ سنوات قليلة قد نُكب بهزيمة يونيو ١٩٦٧ فانهارت فى عيون الشباب شعارات الاشتراكية، وأخذوا يبحثون عن طريق آخر، إلاَّ أن الشعب فى ذات الوقت ظل متمسكا بعبد الناصر ليعيد إليه كرامته المهدرة، ولكن عبدالناصر لم يكن متمسكا بالحياة إذ سرعان ما فارقها وكان موته صدمة للشعب كله زلزلت كيانه، أما رد فعل الشباب والطلبة على وجه الخصوص عقب تلك الصدمات فكان إما بالاتجاه إلى المخدرات ليغيبوا عن الوعى، وإما بالاتجاه إلى تدين مغشوش يغيّبهم عن الدنيا، يهدم ولا يبنى، يكره ولا يحب، يرفض ولا يقبل، وكانت أدوات ذلك التدين ممثلة فى الشيخ كشك الذى كان يعرض دينًا غريبًا على الناس إلا أنه كان يلقى صدى وقبولًا من عقليتنا الجمعية.
فى الخطب التالية، أخذ الشيخ يروى القصص والحكايات عن الإخوان، وكانت طريقته مشوقة ومؤثرة فى آن واحد، يجمع فيها بين المأساة والملهاة، ففى إحدى الجُمع خطب عن واقعة قال فيها، إن عبدالناصر أمر عام ١٩٥٧ بقتل الإخوان الذين هم فى السجن الحربى، ثم استطرد الشيخ بأسلوبه الخطابى الزاعق، إن قائد هذه المعركة هو «زكريا محيى الدين» ثم استدرك وقال: «بل زكريا عدو الدين»، وقال إن زكريا محيى الدين جهَّز ألف جندى، لا ليذهبوا إلى تل أبيب، ولا لكى يستردوا القدس، ولكن لكى يذهبوا إلى السجن الحربى ويقتلوا الإخوان، انفعلنا كلنا مع حكاية تلك المعركة التى أكملها الشيخ بأن الجنود الألف أطلقوا النار على «المسلمين» العُزَّل، ثم كان هناك أحد عشر سجينًا إخوانيًا فى زنزانة ما حاول أحد الجنود فتحها بالمفتاح ليقتل من فيها، ولكن المفتاح لم يفتح لأن رصاصة كانت قد دخلت فى «الكالون» فنجا أصحاب الزنزانة!، وختم الشيخ خطبته بأن هذه المعركة انتهت بمقتل عشرين «مسلمًا» وإصابة العشرات منهم بإصابات خطيرة، وعند هذا الحد توقفت الخطبة، ولم نعرف هل أسفرت تلك الإصابات عن مقتل آخرين أم لا!.
ولا أظن أن أحدًا فكر بعدها كيف يكون الجنود بأسلحتهم أكثر من ألف ولا يُقتل من «المسلمين» كما كان الشيخ يقول إلا هذا العدد القليل، ثم لم يفكر أحد لماذا تم قتلهم؟! وكان من الممكن أن تصدر ضدهم أحكام بالإعدام فيكون قتلهم قانونيًا، وما الذى نقمه عبدالناصر وزكريا محيى الدين من هؤلاء؟ هل كانوا وهم فى السجن مثلًا يدبرون أو يقودون مؤامرة مسلحة كبرى لقلب نظام الحكم؟.. كل هذه الأسئلة لم ترد على بالى ولا بال أحد، بل بكيتُ من تلك المظلمة العظيمة التى وقعت على «المسلمين» كما أطلق عليهم الشيخ كشك، وكان خطابه عنهم متنوعًا، فتارة يقول «المسلمين»، وتارة أخرى يقول «جماعة المسلمين».. أما زكريا محيى الدين وعبدالناصر فقال عنهما «أعداء الدين»! ووقع فى قلبى وقتها أن الإخوان كأنهم هم صحابة الرسول الذين قام الكفار بتعذيبهم فى بطاح مكة، وأن عبدالناصر كأنه هو زعيم الكفار!.
خرجتُ من الخطبة وأنا أحب الإخوان، تعاطفت معهم وتمنيت أن أصبح شابًا فتيًا لأدافع عنهم، وكانت أفلام نجم الكونغ فو «بروسلى» قد انتشرت فى دور العرض بمصر، وأصبح بروسلى معشوقًا للشباب بشكل غريب، فأخذت أتدرب على تلك الرياضة مع صديقى «جرجس الرومانى شكرى إقلاديوس» وازداد إصرارى على تعلم تلك الرياضة بعد أن سمعت خطبة الشيخ كشك عن سيد قطب، وكان معى جرجس ينتظرنى بعيدًا عن المسجد.