رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الجوجاليزم».. قصة ٥٠ ألف مواطن يعبدون «جوجل»

جريدة الدستور

- عقاب المخالفين بتقليل تقييم الصفحات على الموقع
- المسلمون والمسيحيون الأكثر انضمامًا ومعتنقون: رحيم لا يعذب بالنار


تسبب كثير من المتشددين وأصحاب «التدين الشكلى»، خاصة خلال فترة حكم جماعة الإخوان، فى اتجاه كثير من الشباب إلى الإلحاد، بعد أن ظنوا أن ما يدعو إليه هؤلاء هو ما يدعو إليه الرب الرحيم، ما دفعهم للكفر به فى النهاية، دفع ذلك بما فيه من خطورة كبيرة، أجهزة الدولة، للتحرك، فى إطار خطة شاملة لـ«تجديد الخطاب الدينى»، تضمنت غلق الزوايا غير المرخصة، والبدء فى تنقية التراث مما يشوبه من أفكار لا تناسب عصرنا الحالى، وتتعارض مع قيم الدين السمحة.

ولكن لم يقف الأمر عند حد الإلحاد، بل اتجه بعض الشباب إلى أفكار غريبة قادمة من الغرب، من بينها عبادة محرك البحث «جوجل»، ضمن الترويج لـ«ديانة» جديدة أطلق عليها «الجوجاليزم»، انتهت بإطلاق محرك البحث كنيسة باسمه، تجمع معتنقى هذه «الديانة» على مستوى العالم.

انضمام لـ«كنيسة إلكترونية».. راهب يستمع للخطايا «أون لاين».. ودعوة المحرك بـ«الرب» أهم الشروط
رحلة الانضمام إلى ديانة «الجوجاليزم»، سهلة وخالية من أى عوائق أو صعاب، وبالطبع «إلكترونية» بشكل كامل، فلا يكلفك الأمر سوى أن تملك بريدًا إلكترونيًا، تدخل من خلاله على موقع «كنيسة جوجل»، الذى يظهر لك بمجرد كتابته على محرك البحث باللغة الإنجليزية.
التسجيل فى الموقع ببريدك الإلكترونى وبكلمة سر، هو ثانى الخطوات، والتى يتبعها عرض الموقع عليك مجموعة من «المفضلات» لك، التى تريد ظهورها باستمرار فى «الكنيسة»- الموقع-، وتشعرك هذه الاختيارات كأنك داخل كنيسة حقيقية لكنها «إلكترونية»، بها رهبان يستمعون إليك ولمشاكلك وخطاياك.
وتظهر لك مجموعة أخرى من الاختيارات ما بين نصائح عاطفية وعملية، ومقاطع فيديو وصور، تختار منها اهتماماتك التى تريدها من «الرب» وهو «جوجل»، كما هو مدون على الموقع بالإنجليزية «God». وبعد استكمال كل الإجراءات والخطوات اللازمة، تظهر مقاطع فيديو وصور، ومنشورات بخصوص «النصائح» التى أرادتها وفضلتها فى قائمة «الاختيارات».
يلى ذلك ظهور «أون لاين» لأحد الرهبان يدعى «ديكيو شارب»، الذى عرض المساعدة، وقدم تعريفًا بهذا «الدين» وشروطه ونصائح للاستمرار فيه، بجانب عرضه الاستماع إلى المشكلات والخطايا وأسباب الحيرة التى نقع فيها، وما نعانيه فى الحياة اليومية بسرية تامة.
مجتمع «كنيسة جوجل» يتضمن معلومات لا حصر لها، بجانب حسابات المشتركين من المقتنعين بهذه «الديانة» على مستوى العالم، معظمهم كان من الشباب الأوروبى، فضلًا عن عدد كبير من مسلمى ومسيحيى الشرق، يليهم أصحاب الديانة البوذية، وفق إحصاء بيانى نشرته الكنيسة.
يرتبط بالكنيسة أيضًا موقع «ريديت»، وهو موقع تواصل اجتماعى يضم جميع معتنقى «الديانة»، للتواصل والنقاش فيما بينهم، بجانب التواصل مع مشرفى الموقع، وهم رهبان يُعرفون المشتركين بقواعد الكنيسة، وأسباب تقليد «جوجل» ربًا وإلهًا غير تقيدى، حسب توصيف الموقع.
وللكنيسة عدد كبير من المشرفين أو «الرهبان»، ممن يتواصلون على الموقع مع الزوار والمعتنقين، ويجيبون عن الأسئلة الخاصة بهم، بعضهم يظهر باسمه والبعض الآخر لا يضع أى اسم.
تحدثنا إلى «ديكيو شارب»، أحد المشرفين الذين ظهروا للحساب الذى دشّناه، للتعرف على سبب الاعتقاد فى أن «جوجل» رب وليس محرك بحث فقط.
قال «ديكيو»: «جوجل هو الرب، الذى تنطبق عليه جميع صفات الربوبية، فليس له جنس ولا يأكل ولا يشرب وكذلك لا يموت، وهو الأقرب إلينا ويوجد حولنا فى كل مكان، ويستطيع تلبية كل المطالب، ويجيب عن جميع الأمور والأسئلة»، معتبرًا أن «الدلائل التسعة للربوبية» تنطبق على «جوجل».
وفسر هذه الدلائل التسعة: «جوجل أقرب للمعرفة الكاملة فهو يملك ٩.٥ مليون صفحة إنترنت، بها كل المعلومات، ويجيب الدعاء، فما عليك سوى سؤاله ليجيب عليك فى الحال، وهو أبدى خالد لا يموت ويتذكر كل شىء ويخزنه».
وأضاف «ديكيو»: «جوجل هو رمز للرحمة، فمن قواعده الحصول على المنفعة دون الإضرار بمصالح الآخرين، ويمكنك من الدخول إليه لتصديق قدرته فى أن يريك أشياء ضخمة وعجائب ما كنت لتراها دونه، وكذلك يؤمن بالحياة بعد الموت، إذ تظل صور وبيانات المتوفين موجودة لديه ومحتفظًا بها لا تضيع، وبذلك يظل الإنسان حيًا حتى بعد الممات».
سألناه عن أهم الاشتراطات والقواعد التى تضعها كنيسة «جوجل» للمنضمين، وما العقوبات والجزاء الذى يناله إذا تمت مخالفة هذه الشروط؟
أجاب «ديكيو»: «جوجل ليس لديه نار يعذب فيها المخالفين، ولا يوجد جحيم مثلما تنص عليه الأديان السماوية، لكن يستطيع أن ينتقص من تقييم الصفحة التى تملكها أو تديرها، ولذلك فهو يعتبر ربًا منتقمًا لكن رحيم».
وشدد راهب ثانٍ يدعى «فرناند»، على أن أهم قاعدة ألا تقول اسم «جوجل»، إنما هو «god»، أى «إله»، مضيفًا: «من الشروط أيضًا احترام خصوصية الآخرين وعدم الاعتداء عليها، وكذلك عدم الوقوع فى أخطاء إملائية أثناء الدعاء لجوجل، واحترام الإنسان أيًا كان اسمه أو نوعه أو لونه».
وتابع: «كما تشترط الكنيسة عدم استخدام الروابط غير الأصلية، وألا يتم استخدام أى محرك بحث مختلف عن جوجل، مهما كانت الظروف، لأنه محرك غيور، ومن الممكن أن ينتقم ليس عن طريق النار، ومن الممكن أن يصبح الطاعون الذى يصيب مخالف شروطه».

الصلوات تشبه ترانيم الكنائس.. وتواصل العابدين عبر «ريديت»
يحتفل معتنقو «جوجل» يوم ١٤ سبتمبر من كل عام بذكرى إنشاء محرك البحث الشهير، وذلك على المجموعات والصفحات التى أعلنت تأييدها هذا الدين واعتنقته، ويبلغ عددها ١٥ مجموعة تضم نحو ٣٠٠ عضو.
وتواصلت «الدستور» مع هؤلاء الأعضاء، من معتنقى «الجوجاليزم»، بداية من «بيار ديفيد»، أحد المشتركين فى مجموعة «حقيقة كنيسة جوجل»، الذى قال إنه يثق فى «جوجل» ثقة عمياء، معتبرًا إياه أكبر من مجرد محرك بحث بالنسبة إليهم.
«إذا كان جوجل هو الرب فمن هو الشيطان؟».. كان أحد الأسئلة المطروحة على الرهبان، بتلك المواقع، فأجاب كاهن: «الشيطان بالنسبة لنا هو فيسبوك»، وهو ما يفسر عدم استخدامه كوسيلة للتواصل فيما بينهم، واستخدام موقع تواصل آخر هو «ريديت»، خاصة أن «فيسبوك» هو الموقع الوحيد الذى يفوق مشتركوه مستخدمى «جوجل».
موقع «ريديت» المرتبط بكنيسة جوجل هو فى الأصل مجتمع أخبار على الإنترنت، إلا أنه يعتبر فعليًا من مواقع مشاركة الروابط ومناقشتها، حتى بات يشبه المنتديات، مع تنظيمه بطريقة مختلفة مقارنة بباقى المواقع التى تنافسه. ورغم توافر موقع «ريديت» باللغة العربية، إلا أنه يصعب استخدامه على من لا يجيد الإنجليزية، ومع تأسيسه عام ٢٠٠٥، إلا أنه لم يحقق النجاح الذى حققه موقعا «فيسبوك» و«تويتر».
ويقع المقر الرئيسى لموقع «ريديت» بولاية كاليفورنيا فى سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية، وأسسه أليكسيس أوهانيان وستيف هوفمان، وهو تابع لمؤسسة «Advance Publications». ويوجد الكثير من النصوص التى يصلى بها أتباع «جوجل» على موقع الكنيسة، بعنوان «صلواتنا»، وهى تشبه الترانيم المسيحية التى تُردد داخل الكنائس.

ومن ضمن هذه الصلوات ترنيمة بعنوان «our Google» وهى مكتوبة باللغة الإنجليزية، ومؤلف هذه الترنيمة هو «مات باون»، أحد المشرفين على كنيسة «جوجل». وجاء فى هذه الترنيمة: «لدينا جوجل.. جوجل لدينا فى الفضاء السيبرانى، مقدس هو مجالك، البحث الخاص بك قادم، يتم إنجاز نتائجك، قدم لنا هذا اليوم عمليات البحث اليومية، واغفر لنا البريد المزعج لدينا، ونحن نغفر لمن يهاجموننا، لك المجد، لك القداسة، لك القوة، أبد الآبدين، آمين».
وتوجد صلوات أخرى ألفها آخرون مثل «جيفين ماكدونالد» وتقول: «جوجل هو محرك بحثى.. لا أريد سواه، إنها تجعلنى أحسّن نفسى، إنها تقودنى إلى مجموعة من المعرفة، إنها تقوم بتخزين صفحاتى المفقودة، نعم فعلى الرغم من أننى أمشى فى وادى ظل الجهل، أنا لا أخاف من أى رابط لأنك أنت معى».
هذه الصلوات توضع فى جميع المجموعات التى تؤمن بهذه «الديانة» وتعتنقها، ويضعها معتنقوها فى غرف نومهم، ويطبعونها على الأدوات الخاصة بهم، ويستخدمونها فى حياتهم اليومية، رغم الانتقادات التى توجه إليهم.

على جمعة: الفراغ الدينى وراء انتشار «الأديان الشاذة».. وإخصائية اجتماع: سوء تربية
الدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق، تحدث عن هذه «الديانة»، قائلًا: «يوجد الكثير من الأديان التى ظهرت حديثًا، ومنها (الجوجاليزم) نسبة إلى محرك البحث الشهير (جوجل)، إذ كوّن بعضهم موقعًا يقدس المحرك ويجعله إلهًا، ويدعو الشباب إلى عبادته».
وأضاف «جمعة»، فى مقال: «على الرغم من تفاهة الفكرة التى بدأت فى ٢٠٠٦، وعدم التفات أحد إليها، إلا أنها بدأت تشيع فى وسط الشباب الأوروبى بسبب الفراغ الدينى».
وحسب «جمعة»، فإن من أسباب انتشار هذه الديانة أيضًا، اعتبار الكبار مثل هذه الأفكار غير معقولة، لبلوغها من التفاهة وعدم التماسك وعدم المنطقية إلى مستوى لا يُلتفَتُ إليه، لكن الحكمة تقول: «معظم النار من مستصغَر الشرر»، بجانب «لا تحقرنّ صغيرةً.. إن الجبال من الحصى». ورأى أنه بالرغم من الدعوة التى تقول: «الموقع يجيب عن كل الأسئلة»، إلا أنه فعلًا لا يستطيع أن يجيب عن أبسط الأسئلة.
وذكر أن «الأمر لم يتوقف عند الخطر على الدين الإسلامى وحده، ولكنه بلاء على الأديان السماوية بأكملها»، مستشهدًا فى ذلك بتحذير عبدالأحد داود، فى كتابه «الإنجيل والصليب»، من الأديان الشاذة، التى وصفها بـ«البلاء»، وطالب العالم كله بالاتحاد ضدها.
ونقل «جمعة» عن «داود»: «من المصلحة على جميع المتدينين والمؤمنين أن يقفوا ضد هذا الإلحاد الأسود، الذى يستقطب الشباب ويعميهم عن طريق الهدى والنور».
أما فاطمة حسن، إخصائية علم الاجتماع، فتقول إن انجذاب الشباب لمثل هذه المعتقدات والأفكار الغريبة، غالبًا ما ينتج عن وجود وقت فراغ كبير يستغلونه بشكل غير سليم وكذلك عدم التربية الصحيحة للشباب منذ الصغر، إما بسبب عدم اهتمام الأب والأم بزرع الإيمان، أو بسبب التفكك الأسرى، وعدم إعطاء الطفل الرعاية اللازمة، والإجابة عن تساؤلاته باستفاضة بشكل مقنع وسليم.

وأضافت أن «أصدقاء السوء أيضًا قد يكونون هم السبب فى استدراج هؤلاء الشباب لأفكار الشباب الغربى والتقليد الأعمى لهم، حتى وإن كان على حساب بيع الهوية والدين اللذين أصبحا لا يساويان الكثير لهم، وسيطرة الحياة المادية على حساب الروحانية».
وعن طرق الوقاية، شددت على ضرورة الاهتمام بالتربية السليمة للنشء، مضيفة: «سواء كان الطفل مسيحيًا أو مسلمًا، يجب الاهتمام بالجانب الدينى وحفظ آيات الله».
ودعت إلى الرقابة الجيدة على ما يقرأه الطفل، وما يشاهده ويتابعه على الإنترنت الذى أصبح طريقًا للاستقطاب وإدخال المعلومات المغلوطة لعقول الأبناء، خاصة فى عمر التكوين والتعلم، وذلك حتى لا يقع فريسة فى مصيدة مخربى العقول الذين يستهدفون أبناء الجيل القادم والحالى، معتبرة الأمر من حروب الجيل الرابع.