رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوى.. الله يعقد محاكمة لـ«إبليس» ويهدم «البيت الأبيض»!

جريدة الدستور

- الشيخ كشك كان يرتكب أخطاء كارثية فى حق الذات الإلهية
- كشك جعلنى أخشى الله بدلًا من أن أحبه

حين بدأت أرتاد مسجد عين الحياة أيام الجُمع لأستمع للشيخ كشك كنت مراهقًا وصل بالكاد إلى الخامسة عشرة من عمره، ذهبتُ أبحث عن الله لعلى أعرف أين ومتى وكيف هو، كان الخلاف بين عقلى وفطرتى كبيرًا، فعقلى يبحث عن ذات الله، ولكنه يعجز عن تصوره، وفطرتى تهدهد خاطرى وتوحى إلى قلبى بأن الله فوق التصور، فيعود عقلى محتجًا إذ كيف أحب من أعجز عن تصوره؟!

كانت رغبتى فى معرفة الله هى مشكلتى الكبرى آنذاك، إذ كنت أريد أن أعرفه وأتصوره لأحبه، فلن أكون صالحًا إلا إذا أحببت الله، وما ذهبتُ فى حياتى إلى مسجدٍ أو شيخٍ أو جمعية أو طريقة أو جماعة إلا لكى أعرف الله، ومن هنا كانت مداومتى على صلاة الجمعة فى مسجد الشيخ كشك، كان هذا الرجل عظيم التأثير على العوام الذين يجلسون فى انبهار، وهم يستمعون إليه خطيبًا مفوهًا قادرًا على تحريك المشاعر، يعلو صوته فى مواضع ثم ينخفض فى مواضع أخرى فيلهب المشاعر، ولكنه لم يكن أبدًا قادرًا على تحريك العقول. ولك أن تعرف أن المشاعر إذا تحركت أوقفت العقل ساكنًا لا يستطيع مناقشة أو احتجاجًا أو نقدًا أو رفضًا، لذلك نالنى ما نال الجميع كبارًا وصغارًا من انبهار أوقف عقلى، فلم أنتبه عندما كان الشيخ يقع فى أخطاء كارثية فى حق الذات الإلهية، بل إننى أحببت تلك الأخطاء، لأنها كانت تضع الله أمامى فى صورة مرئية، ففى إحدى المرات عقد الشيخُ محاكمة لإبليس، وقال فى خطبته: إننا الآن أمام محكمة العدل الإلهية التى انعقدت لمحاكمة إبليس، فارتبط هذا الوصف فى عقلى بشيخٍ وقور له لحية طويلة يشبه القاضى الذى يرسمه الفنان «صلاح جاهين» فى كاريكاتير الأهرام على أنه «قاضى التاريخ»، وتصورت ميزان العدل وراء هذا الشيخ، ثم تصورت أيضًا نفس الرسم الذى يرسمه صلاح جاهين فى كاريكاتيره لإبليس صاحب القرنين الذى يمسك شوكته العملاقة ذات الثلاث سنون، وهو يقف خسيئًا مطأطأ الرأس وراء قفص الاتهام، ولكن ماذا قال الشيخ عن الله فى هذه المحاكمة؟
قرأ الشيخ الآية التى أمر الله فيها إبليس بالسجود لآدم، ثم استمر مستكملًا: «ربنا قال له مالَك.. مالَك.. ماذا جرى لك؟ ألم تسمع أمرى بالسجود؟ مالك ألا تعرف من أنا؟! أنا الله، أنا الله لا إله إلا أنا، مالك؟ أى شىء حدث لك؟ الملائكة كلهم أجمعون سجدوا فمالك يا إبليس ألا تكون من الساجدين»! ولأن كل من فى المسجد كانوا يستمعون إلى تلك الكلمات، وهم فى حالة «نوم مغناطيسى» لذلك كنت أنا أيضًا مثلهم، أتقبل أن ينسب أحدهم إلى الله كلامًا عاميًا ركيكًا لم يقله، لم يرد فى خاطرى أن الشيخ، وهو يروى عن الله يتكلم بصيغة «أنا الإلهية»، وأن هذا لا يجوز فى حق الله سبحانه، ففارق بين أن تشرح المعنى، وأن تنسب ما فهمته أنت من المعنى لله بلغتك.
وفى خطبة أخرى يروى الشيخ قصة تصويرية كاملة عن يوم القيامة فيقول: «ينظر الله إلى الدنيا، وهى خاوية على عروشها، فيقول للدنيا: أين أنهارك وأشجارك وبحارك وقصورك؟ أين الملوك؟ أين الجبابرة وأبناء الجبابرة؟ أين الذين عاشوا فى خيرى وعبدوا غيرى؟ لمن الملك اليوم؟ يا دنيا أين سكان البيت الأبيض؟ أين حكام الكرملين؟ أين سكان عابدين وقصر التين؟». ورغم أنه كان من المفترض أن يرفض عقلى تلك القصة خاصة ما يتعلق بالبيت الأبيض وقصر عابدين وباقى القصور فإن الرهبة غشيتنى وزلزلت كيانى كله، حتى إننى كنت أرى فى أحلامى قصورًا تنهار ونارًا تشتعل، وأنا أهرب منها، فإذا بى وقد ذهبت للشيخ لكى أحب الله قد عدتُ من مسجده، وأنا أخاف من الله، والخوف لا يمكن أن يترك مكانًا فى القلوب للحب، وبعد عدة أشهر حدث لى ما لم يكن فى الحسبان.