رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحج المزور.. "الدستور" تكشف: شركات ومكاتب سياحة غير مرخصة تنصب على «ضيوف الرحمن» بـ«سلاح التخفيضات»

جريدة الدستور

يأمل كثير من المصريين فى أداء فريضة الحج، لكنهم يصطدمون بمشكلة ارتفاع أسعار البرامج التى تقدمها شركات السياحة، وتصل فى بعض الأحيان إلى نصف مليون جنيه، ما دفعهم للبحث عن شركات ومكاتب أخرى تعرض تكلفة أقل.

لكن وقع غالبية هؤلاء الباحثين عن زيارة بيت الله ضحية للنصب من قبل مكاتب وشركات سياحة غير مرخصة تعرض الحج بمبالغ أقل، قبل أن يفاجأوا بأنها كيانات وهمية، أو تجاهلت توفير أوراق مطلوبة للسفر وأداء الفريضة مثل «باركود الحج»، أو قررت تسفيرهم من خلال تأشيرات «السياحة أو الزيارة الشخصية»، ليجدوا أنفسهم مخالفين للقانون لدى وصولهم أراضى المملكة العربية السعودية.

فى السطور التالية، تحقق «الدستور» فى هذه الظاهرة، وتلتقى عددًا من الضحايا، للتعرف على ما حدث معهم، مع تقديم «روشتة» لأى راغب فى زيارة بيت الله، يمكنه من خلالها تجنب الوقوع كضحية لهؤلاء النصابين.

حالة ١ مروة عمر: لجأنا إليها بسبب الأسعار وفوجئنا بأنها كيان وهمى

مَنّت مروة عمر النفس بأداء فريضة الحج، خلال العام الماضى، لكنها اصطدمت بالأسعار الضخمة المطلوبة من شركات السياحة التى وصلت إلى ٢٥٠ ألف جنيه، فلم تستطع تدبير المبلغ المطلوب، بما فيه سعر التأشيرة وباقى مصاريف السفر.

سمعت «مروة» عن مكاتب سياحية تتيح السفر لأداء فريضة الحج بأسعار أقل من الشركات، من خلال عروض تتضمن تقديم تأشيرة السفر بـ٥ آلاف جنيه، مع الادعاء بأنها صالحة لمدة سنة كاملة وليس ٣ أشهر، بينما تكلفة باقى برنامج الحج ١٣٠ ألف جنيه فقط. تقول «مروة»: «قدمت فى المكتب السياحى أنا و٣ من أصدقائى، ودفعنا المبالغ المطلوبة كلها، قبل أن تحدث مشكلتان عرفنا من خلالهما أن المكتب نصب علينا، الأولى أن التأشيرات كلها رُفضت، لأن المملكة العربية السعودية تعطى تأشيرة لمدة ٣ أشهر فقط وليس سنة، والمكتب كان على علم بذلك لكنه أخفاه عنا». وتضيف: «المشكلة الثانية حدثت فى المطار، حيث طالبتنا السلطات هناك بالتأشيرة إلى جانب ما يسمى (باركود الحج)، الذى كنا لا نعلم عنه أى شىء، ولم يسلمنا مكتب السياحة أى ورق بخصوصه». ظلت «مروة» تتصل بمسئولى مكتب السياحة، الذى لم يرسل أى مشرف يقود الفوج فى رحلة الحج، لكنها ومَن معها لم يتلقوا أى رد. 

وتتابع: «علمنا وقتها أنه جرى النصب علينا، خاصة أنه لم يكن للمكتب مقر أو أى وجود سوى أرقام هواتف على شبكة الإنترنت».

حالة ٢ ناصر عوض: أحذّر الجميع من «عروض التخفيض»

ناصر عوض، أحد الذين صدقوا عروض إحدى شركات السياحة التى تقدم برامج منخفضة التكلفة مقارنة بالأسعار الرسمية للحج، إذ دفع ١٥٠٠ ريال سعودى قيمة حجز فى أحد الفنادق بالمملكة مقابل الليلة الواحدة.

وقال: «شعرت بالاطمئنان حين حصلت على إيصال بقيمة المبلغ الذى دفعته، ثم اكتشفت خلال السفر أن الإيصال لا قيمة له والشركة لا وجود لها»، وعندما طالب الشخص الذى تسلم منه الأموال وسلمه الإيصال، بضرورة رد المبلغ إليه، أخبره بأنه مجرد وسيط ولا علاقة له بما حدث.

وبعدما كان «ناصر» متحمسًا لتجربة الحج بهذه الطريقة، معتقدًا أنها وسيلة آمنة، أصبح يحذر الجميع من تصديق هذه الإعلانات، مؤكدًا أن جميعها مضللة وهدفها النصب ليس أكثر.

وأكد: «لا توجد تصاريح حج إلا من خلال تطبيق (نسك) أو الموقع الرسمى للحج، فلا يمكن لزائر أن يحصل على تصريح حج إلا من خلالهما».

حالة ٣ يُمنى: الخوف من الترحيل أفسد الرحلة الروحانية

يمنى حنين خاضت تجربة الحج غير الرسمى، منذ عامين، عبر إحدى شركات السياحة، بتكلفة ١٢٠ ألف جنيه، من خلال استخراج تأشيرة زيارة شخصية. 

دفعت «يمنى» المبلغ كاملًا، وظنت أنها حصلت على صفقة ناجحة، لأن السعر قليل مقارنة بأسعار الحج السياحى آنذاك، ومع اقتراب موعد السفر للحج، علمت من مجموعة على موقع التواصل «فيسبوك»، متخصصة فى نشر كل المعلومات عن أداء الفريضة، أن الحج بتلك الطريقة غير رسمى.

تقول «يمنى»: «فى حال القبض علىّ من السلطات السعودية سيجرى ترحيلى وإجراء تبصيم لمنع دخولى المملكة لمدة ١٠ سنوات، وحين طالبت الشركة باسترداد الأموال رفضت وأخبرتنا أننا نسافر على مسئوليتنا القانونية».

جازفت «يمنى» من أجل زيارة بيت الله الحرام، وسافرت بشكل غير قانونى، وكانت طوال الوقت تشعر بالخوف من القبض عليها وترحيلها: «ليس ذلك فحسب، بل حين سافرت وجدت أن هناك مناسك ليست بها أماكن إقامة لنا كما وعدتنا الشركة».

وأضافت: «كانت مجازفة أن ننام الليل بأكلمه فى الشارع، بلا خيم، أو فنادق، على عكس ما وعدت به الشركة، وكانت الرحلة مرهقة».

مسئول بإحدى الشركات «الشرعية»:  احذروا من «ألاعيب السماسرة»

حذر وائل رجب، مسئول قسم السياحة الدينية فى إحدى شركات السياحة، المواطنين، من التعامل مع الكيانات غير المعترف بها من قبل وزارة السياحة والآثار، مشيرًا إلى أن هناك سماسرة يعملون بمفردهم ولا يتبعون شركات محددة، وهم نصابون فى الأساس، ويديرون نصبهم من خلال مكاتب سياحية.

وأضاف «رجب»: «على الحاج قبل التعامل مع أى شركة، الدخول إلى بوابة الحج والعمرة، وكتابة اسم الشركة فى خانة البحث، فإذا كانت تتبع وزارة السياحة ستظهر كل بياناتها، بما فيها رقم الترخيص وسنة الإنشاء وعناوينها وأرقامها وبرنامجها... إلخ».

ونبه إلى ضرورة التعامل مع شركة مرخصة مفعلة، وليس مكاتب خدمات السياحة، لأن الأخيرة ليست لها علاقة بالحج وغير حاصلة على ترخيص من وزارة السياحة، وهو أمر ضرورى لأى شركة تعمل فى هذا المجال. وواصل: «على المواطن أن يأخذ إيصالًا بالمبلغ الذى دفعه كجدية حجز، وأن يتأكد من وجود عقد ثلاثى بينه وبين الشركة ووزارة السياحة، لكن السماسرة ومكاتب الخدمة السياحية لا يعطون أى عقود، ولا يوجد لديهم أى برامج».

وأشار إلى أنه من طرق النصب الأخرى أن يرسم السمسار برنامجًا غير حقيقى للحاج، الذى يفاجأ فى الأراضى المقدسة بأنه بمفرده، رغم دفعه أموالًا طائلة، بينما شركات وزارة السياحة فى المقابل ملتزمة بالعقد ومعايير الحج، ويكون كل ذلك موثقًا فى العقد الرسمى.

وشدد على أن أغلب عمليات النصب يرتكبها سماسرة وشركات غير مرخصة من قبل وزارة السياحة، وغير منوط بها العمل فى مجال السياحة الدينية، مجددًا الإشارة إلى أن بيانات الشركات المرخصة موجودة على البوابة الرئيسية للحج والعمرة التابعة لوزارة السياحة والآثار.

 

صاحبة مكتب لمحررة الدستور:  «هنوفرلك برنامج لو متقبضش عليكِ!»

تواصلت «الدستور» مع إحدى الشركات التى تروج على مواقع التواصل الاجتماعى لإمكانية توفيرها برنامجًا سياحيًا لأداء مناسك الحج، ليبلغنا أحد العاملين بها بأن القيمة المطلوبة ٣٩ ألف جنيه فقط. لكن حين سألناه عن «باركود الحج»، الذى لا تسمح السلطات السعودية بدخول الحجاج إلا به، ويُستخرج من على «بوابة الحج والعمرة»، ادعى أن هذا غير صحيح، وأنه يمكن الحج دون «الباركود»، مؤكدًا أن شركته لا تستخرج هذا المستند. وتواصلت «الدستور»، كذلك، مع شخص يُدعى «عبدالله»، الذى يروج على إحدى مجموعات «فيسبوك» لقدرته على بيع «باركود الحج»، قائلًا: «أستطيع توفير باركود السياحة بـ٦٥٠٠ جنيه، على أن يتعامل الحاج فى كل الإجراءات الباقية». كذلك تواصلنا مع مكتب يعتمد على «تأشيرة الزيارة الشخصية» فى تسفير الحجاج، رغم عدم قانونية الأمر. وقالت «علا. م»، صاحبة المكتب، إن مكتبها متخصص فى هذا النوع من الحج، عبر استخراج «تأشيرة زيارة شخصية» أو «تأشيرة سياحية»، ولكل منهما سعرها الخاص، مع الإشارة إلى أن تكلفة التأشيرة وتذكرة السفر لا علاقة لها بمبلغ الإقامة وهو ٤ آلاف ريال غير شاملة وجبات الطعام، وإنما هى للمبيت والتنقل فقط. وعندما واجهناها بأن هذا نوع من النصب، قالت: «غير صحيح، هذا حج غير رسمى، فنحن نستخرج تأشيرة زيارة شخصية، ثم نقوم بالتصعيد إلى عرفة، ويبيت الحاج فى أيام الزيارة وطوال فترة أداء مناسك منى ومزدلفة وعرفات فى الشارع دون سكن، وبعدها يكمل البرنامج كاملًا، فى حال لم يُقبض عليه، ورغم مشقة هذه الطريقة، فإنه يلجأ إليها المواطنون هربًا من أسعار الحج المرتفعة».

صاحب مكتب للسفر: نرفض العمل خارج سياق القانون

أشار محمد يونس، صاحب مكتب للسفر، إلى أن الكثير من المواطنين يعرف جيدًا معنى «الحج غير المباشر»، وهناك عملاء يزورون مكتبه ويطلبون رحلة مخالفة للقانون، وحتى حينما يرفض المكتب يستمرون فى الضغط.

وأضاف «يونس»: «يقولون فى النهاية إنهم سيتحملون عواقب السفر على مسئوليتهم الشخصية، رغبة منهم فى أداء فريضة الحج بأى شكل».

وأوضح: «المكتب يرفض بشكل قاطع مثل هذه الطلبات خوفًا من المساءلة القانونية، ولا يقبل الطلبات، ونشارك فى توعية المواطنين ونقدم لهم النصيحة بألا يفعلوا ذلك».

وأكد: «نقول لهم إن الشركات التى تفعل ذلك تستغل رغبتهم فى الحج وتدفعهم إلى مصير مجهول، واحتمال عدم النجاح أكبر».

ولفت إلى أن المملكة العربية السعودية أوقفت، بالفعل، تأشيرات العمرة، استعدادًا لاستقبال حجاج بيت الله الحرام، ومن يخالف ذلك يعرض نفسه للغرامة. وتابع: «هذه الشركات تحصل على أموال طائلة، أيضًا، حتى وإن كانت أقل من أسعار الحج الرسمى، وفى مقابل هذه الأموال لا يحصل الزائر على تجربة مريحة، وإنما يتم الحجز فى فنادق درجة خامسة، وأكثر من ٦ أشخاص بغرفة واحدة، والأموال المدفوعة غير شاملة وجبات الطعام، وكل ذلك يمثل مخاطرة غالبًا ما تفشل».

خبير سياحى: التعامل مع شركات الباطن مجازفة لأنها لا تلتزم بقواعد

أكد زين الشيخ، الخبير السياحى، أن شركات السياحة المرخصة هى الوحيدة التى يحق لها قانونًا تنفيذ برامج للسفر والحج خلال موسم الحج، وغير ذلك يكون السفر مجازفة غير مضمونة.

وأوضح «الشيخ»: «شركات السياحة المرخصة تتبع وزارة السياحة وعليها رقابة، وتأخذ من الوزارة برامج الحج بالمعايير الصحيحة وتطبقها حتى لا يتم وعد الحجاج ببرنامج فندقى، وحين يسافرون لا يجدون ما وعدتهم به شركات السياحة».

وأضاف: «مكاتب السياحة غير المرخصة لا يحق لها تنظيم رحلات الحج ولا توجد رقابة عليها، وعلى المواطن الالتزام بالتعامل مع شركات السياحة المرخصة، وليس مكاتب السياحة التى تعمل من الباطن وتسمى مكاتب تسفير».

وتابع: «عمليات النصب على الحجاج زادت الفترة الأخيرة؛ بسبب انتشار مكاتب التسفير والشركات غير المرخصة التى تقدم عروضًا وهمية للحجاج، تكون أرخص من السعر الرسمى وذلك لأنها تنصب عليهم فى النهاية».

خبير قانونى:  عقوبة النصَّاب الحبس 3 سنوات وجوبيًا

قال على دندراوى، الخبير القانونى، إن تلك الكيانات الوهمية تستغل رغبة المواطنين فى أداء الفريضة والعمرة، ويرتفع معدل النصب والاحتيال مع عدم معرفة الناس بالإجراءات واشتراطات العمرة والحج، إذ تتولى الأمر الجمعيات والشركات دون وجود دور رقابى من الجهات المختصة.

وعن عقوبة النصب والاحتيال، أكد: «يضم قانون العقوبات المصرى بعض المواد الصارمة لمعاقبة المتهمين بعمليات الاحتيال، بحيث لا تقل مدة العقوبة عن الحبس ثلاث سنوات، والحبس فيها أمر وجوبى، وذلك طبقًا لعدد ضحايا عمليات الاحتيال».

وتنص المادة رقم ٣٣٦ على عقوبات رادعة لمرتكب جرائم النصب والاحتيال على المواطنين، على أن يعاقب بالحبس كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أى متاع منقول، وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها، باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب، وفقًا لـ«دندراوى».

وأضاف: «فيما نصت المادة رقم ٣٣٩ من قانون العقوبات المصرى على تشديد العقوبة على المتهمين بالنصب فى حالة تكرار ارتكاب الجريمة خلال فترة خمس سنوات، كما يُعاقب المتهم بالسجن لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات، وقد يتم تغريمه بمبلغ لا يقل عن ٥٠٠٠ جنيه مصرى».