رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. محمد سالم أبو عاصى يكتب: فى أصول المناظرات

جريدة الدستور

إلى سادتي المتصارعين.
١. ليسمح لي القارئ الكريم بأن أذكر هنا ما قاله أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء الدكتور زكي نجيب محمود في كتابه "المنطق الوضعي" لعله يفيد: "الفرق بين اللفظة الحقيقية واللفظة الزائفة هو أن الأولى وراءها رصيد من المسميات الجزئية، أما الأخرى فليس وراءها شىء يشار بها إليه، فما أقرب الشبه بينهما وبين الورقة النقدية الحقيقية بالقياس إلى الورقة النقدية الزائفة، فهاتان قد تكونان في الصورة الظاهرة متساويتين، لكن الأولى حقيقية؛ لأن هناك رصيدًا من الذهب أو ما إليه يجعل لها قيمة فعلية، أما الورقة الزائفة فليس وراءها مثل ذلك الرصيد، لذا فهي لا تشير إلى شىء وراءها من محفوظات البنك، مما يجعل لها قيمة حقيقية".
٢. قف إزاء هذه الكلمات وتعال لنستبين المناظرة الحقيقية من الزائفة، وذلك من خلال قواعد حاكمة في المناظرة.
الأولى: أن يتخلى المتحاوران عن أي آراء سابقة فيما يتعلق بموضوع المناظرة (وإنا أو إياكم لعلىٰ هدىً أو في ضلالٍ مبين).
الثانية: أن يجتهد كل طرف في احترام العقل وحججه المنطقية والمنهجية، إذ هو القاسم المشترك بين بني الإنسان.
الثالثة: أن يلتزم كل من المتناظرين بالتنزه عن الطعن في الطرف الآخر بما يتجافى عن الخلق والأدب اللائق (وقولوا للناس حسنًا).
الرابعة: يجب أن يتسامى كل من المتناظرين عن حجر الحق في نفسه.
الخامسة: المناظرة ليست حلبة مصارعة لابد فيها من الغالب والمغلوب والقوي والضعيف، بل هي حوار يهدف إلى الوصول إلى الصواب.
وأنبه إلى أنه إذا كان المتحاوران أشبه ما يكون بالمتصارعين في أودية بعيدة، قد تصل أصوات بعضهما إلى بعض، لكن ليس هناك جسر يربط بينهما، فلن يحقق أي وحدة فكرية أو تعاونا عضويا في خدمة هذا البلد وأمنه.
٣. إذا أردنا مناظرة تؤتي أكلها، ينبغي أن تكون في المنهج والأدوات لا في الجزئيات. فالدين مقدس والأفكار الدينية غير مقدسة.
٤. أما الجري وراء الغوغاء اضرب يا فلان.. اسحق يا فلان.. فليس هذا الأسلوب يُبتغى من ورائه الوصول إلى القواسم المشتركة، إنما هو أسلوب مصارعة، أو كما يقولون: ترندات.
٥. من المغالطات في المناقشات؛ ضم ما ليس في موضوع المناظرة أو المناقشة مما ليس منها، كالسؤال عن السيارات الفارهة والقصور والأموال والأحوال الشخصية.
وأخيرًا، فقد دعيت إلى المناظرة في هذه الآونة الأخيرة وامتنعت؛ لأنني لست من هواة الترندات، بل أنا أعشق المنهجية في المناقشة، ولكن أين هي؟!