رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبناء وأسرة النجادة بقضاء عكا يروون لـ"الدستور" كواليس النكبة والتهجير للبنان

أسرة الجمل
أسرة الجمل

خرجت من قرية البصة بقضاء عكا في فلسطين بعمر الـ13، كنت بنت شهيد وشهيدة وأخت شهيد، ما زالت اتذكر بيتنا وحارتنا وبيوت جيرانا، بتلك الكلمات وبصوت يملؤه الشجن والحنين للماضي، سردت لنا الحاجة وفيقة توفيق الجمل صاحبة الـ91 عاما، ذكرياتها وقت التهجير ووقت النكبة عام 1948.

وفيقة الجمل: أتمني الموت بفلسطين ولو توفيت بالشتات وصيتي لأبنائي موجودة

تقول السيدة وفيقة الجمل، أنا مواليد 1933، خرجت من فلسطين مع جدتي بعدما استشهد والدي ووالدتي بعد ما قتلوهم اليهود، وذهبنا إلى الناقورة على الحدود اللبنانية الفلسطينية سيرا على الأقدام. 

تتابع الجمل "كنا أصحاب أملاك وبيوت، ووالدي كان من النجادة، وعمي كان قائد النجادة، والنجادة كانت عبارة عن جماعة مسؤولة عن حماية الأهالي من غدر اليهود ومن هجماتهم المتكررة، وكانت تنفذ عمليات فدائية انذاك ضد اليهود، ولكن غدر اليهود كان أشد فإستشهد والدي ومعه 7 اخرين من النجادة في هجوم لليهود عليهم، وتمكن الرجال بالقرية من استرداد جثمان والدي ومعه 7 اخرين وحملهم على الجمال كل شهيدين علي جمل، وتم دفنهم ببلدنا".

وبصوت يملؤه الحنين "عشنا بالبصة وكنا نذهب لعكا المدينة من خلال السيارات، فلما لها وهي مدينة سياحية يمر بها الحجاج، متابعة "حلاوة عكا غير حلاوة كل العالم، ما زلت أتذكر مذاقها حتى الآن، بجانب ساندويتشات الفلافل التي كانت تأتي بها جدتي لنا عندما قضينا هناك ليلة خلال رحلتها للحج، فمن كان يذهب للحج كان يمر على عكا ويتجمع الحجاج بها للانطلاق إلى الأراضي السعودية لأداء فريضة الحج". 

وتتابع "بلدنا كانت كبيرة لا فرق بين مسلم ومسيحي، كان بها مذاهب كثيرة بها شيعة، ومسلمين ومسيحين، وكل طائفة لها مختار لها، حارة مسيحية وحارة مسلمة ولا يوجد فرق بين مسلم ومسيحي وقت الأعياد نحتفل معا ووقت الأفراح نزف العرائس إلى الكنيسة ونعد الكوانين والبخور، ونردد أغاني كثيرة ونزف بها العروس منها "ياه كنيستنا يا مبرهجي اجاك العريس قومي ارحجي، يا خضر يا نعم الولي يلا توكلنا عليك".

وتضيف "بالبصة كان بها محلات كثيرة، للطعام والشراب وسوق الأحد مشهور بقريتنا، ومحل الجزارة كان الجزار يذبح للمسلمين والمسيحين ولكل دابة سكين خاص بها فكان هناك سكين خاص بالخراف والدواب، وكين اخر للخنازير وكان الجزار يطهرها جيدا في كل مرة.

وتوضح أنها تعلمت بمدارس الإنجليز ودرست الأرقام باللغة الإنجليزية، وما زالت تتذكر أسماء مدرسيها منهم الست ليزا والست أوتيليا، بجانب تذكرها لأصدقائها في المدرسة ومن الجيران منها مقبولة بنت الحاج حسين وأختها شيخة، علي حد قولها.

وتضيف "تزوجت ابن عمي وأنا بعمر الـ13، وكان عمره 16 عاما، عشت بدار عمي، وخلفت أولادي الـ7 في لبنان بعد التهجير، 4 أولاد و3 فتيات، وتعلموا تعليم جيد منهم وفيق مهندس جيولوجيا، علي، ومروان مهندس كمبيوتر، وهشام مسؤول الكهرباء، وحتي الان ما زال التعلق بفلسطين موجود بقلوبنا حتي بقلوب أبنائنا حتي الان، وأقول دائما لهم أمنيتي أموت بفلسطين وإن موت هنا بلبنان ادفنوني ببلدي".

وتشير إلى أن اليهود وقت التهجير كانوا يعتدون على الفتيات والسيدات وتقتل الرجال والشباب، حرقوا كل البيوت ودمروها وقت خروجنا، وذهبنا للناقورة، وبعد ذلك أصدرت قرارات بمنع وجود فلسطينيين على الحدود وانتقلوا إلى المخيمات".

وتختتم الحاجة وفيقة تصريحاتها قائلة "ما زلت اتذكر بيتنا كان أمامه مغارة وخلفه شجرة تين وبجوارنا بيت العم توفيق، ما زلت اتذكر البصة حارة حارة وشجر الزيتون والمحاصيل الزراعية التي كانت تشتهر بجمالها ومذاقها المختلف، والجامع الكبير بالبصة، وكنيسة الروم والكاثوليك، حتي مخاتير كل طائفة ما زالت أتذكر أسماؤهم حتى الآن منهم المختار خضر الأحم، وعلي حسن مختار الشيعة، كل ذكرياتي هناك محفورة بقلبي وعقلي ولن أنساها أبدا".

الجمل: مازالت أحلم بالعودة لأرض والدي وممتلكاته فب البصة

فيما يقول الحاج أحمد فايز الجمل زوج الحاجة وفيقة وابن عمها، والدي كان قائد النجادة كانت تحمي البلد من اليهود، كان والدي قائد الثوار ومعه 100 رجل بين مسلم ومسيحي، وخرجوا جميعا ومعهم السلاح كسروا الدبابات وقتلوا جنود وكانت أول معركة علي حدود البصة، ومع اخر اليوم جاء الصهاينة ودمروا البصة ووقع شهداء بصفوف النجادة".

وتابع الجمل "تركنا البصة كنا أطفال ومعنا النساء وذهبنا للبنان وأسسنا أسرة وشاركت بعدما كبرت مع الثوار، وتزوجت وعلمنا أولادنا، ولكن ما زالت أحلم بالعودة لأرضي وأملاك والدي وأجدادي، البصة قريبة من الحدود اللبنانية ولكن حتي النظر لها منعنا اليهود منها ممنوع نشوفها".