رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرئيس الأمريكى فى ورطة

توقف تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، التي تمر الغالبية العظمى منها عبر المعبرين الحدوديين في جنوب غزة، معبر رفح، وكرم أبوسالم، بشكل شبه كامل، حيث أغلقت إسرائيل معبر كرم أبوسالم، بعد هجوم صاروخي شنته حماس في مكان قريب، أسفر عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين الأسبوع الماضي.

وفي اليوم التالي، استولت القوات الإسرائيلية على جانب غزة من معبر رفح وأغلقته، كجزء مما وصفته بعملية عسكرية محدودة ضد حماس، ورفعت العلم الإسرائيلي فوق المعبر، بعد أن حولته إلى قاعدة عسكرية لكتيبة (ناحال 932).. وعلى الرغم من أن إسرائيل أعادت فتح معبر كرم أبوسالم، وأدخلت بعض الوقود إلى غزة من هناك، إلا أنها لم تسمح بمرور المساعدات الإنسانية، مثل الغذاء والأدوية، وفقًا لسكوت أندرسون، المسئول الكبير في أونروا، الوكالة الرئيسية للأمم المتحدة التي تساعد غزة.

ترفض مصر ـ حيث يتم جمع وتحميل معظم المساعدات لغزة، التي بذلت جهودًا دءوبة في دعم أهالي قطاع غزة، عن طريق إرسال مساعدات إغاثة عاجلة لهم في ظل الأوضاع الراهنة التي يعيشها القطاع، وبلغ حجم ما قدمته مصر من مساعدات إنسانية حوالي 80% وأكثر، من إجمالي تلك المساعدات التي دخلت إلى القطاع ـ إرسال شاحنات نحو معبر كرم أبوسالم، ويعتقد المسئولون الأمريكيون والإسرائيليون أن مصر تحاول الضغط على إسرائيل للانسحاب من عملية رفح، بالإضافة إلى هجوم المستوطنين على الشاحنات وتفريغها من حمولاتها، حتى لا تصل إلى الغزاويين داخل القطاع، بل إطلاق النار، في بعض الأحيان، على الأهالي، الذين يهرعون، في محاولة للوصول إلى بعض هذه المساعدات.

وقد حاول وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية ـ الذي كان في القاهرة الأسبوع الماضي، لإجراء محادثات وقف إطلاق النار في غزة ـ إقناع مصر بإرسال الشاحنات، لكن القاهرة رفضت الضغوط، قائلة إنها لن تسمح بتدفق المساعدات إلى معبر كرم أبوسالم، بينما تغلق إسرائيل معبر رفح، ووصفت الوضع بأنه مسألة سيادة، وعلى تل أبيب القيام بدورها كسلطة احتلال مسئولة عن إعاشة أهل القطاع.

لأن مصر لن تضفي شرعية على احتلال الجيش الإسرائيلي للمعبر، بالتعاون معه في إدخال المساعدات، دفعًا من القاهرة للرأي العام العالمي بالضغط على تل أبيب للانسحاب من المعبر، وإعادته إلى الفلسطينيين، كما كان سابقًا.

ويزداد قلق مصر من عملية رفح الإسرائيلية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى مخاوف عميقة من تعرض أهالي رفح لإبادة جماعية، والحياة في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة، بالإضافة إلى أنها ستدفع اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، وهي نتيجة تعتبرها مصر تهديدًا لأمنها القومي.

كما أثار الوجود الإسرائيلي على الحدود بين مصر وغزة، وهي حدود من المفترض أن تسيطر عليها مصر، انتقادات داخلية شديدة.. هذه المخاوف المصرية ليست العامل الوحيد الذي يُعقِّد استخدام معبر كرم أبوسالم، بل إن النشاط العسكري الإسرائيلي والقتال بالقرب من هذا المعبر، دمر الطرق جزئيًا، ما جعل من الصعب للغاية على شاحنات المساعدات التنقل إلى غزة.. ومع استمرار القتال، تعتبر المنطقة غير آمنة لعمال الإغاثة، بعد أن أطلقت القوات الإسرائيلية النار على متعاقد تابع للأمم المتحدة بالقرب من هذا المعبر الأسبوع الماضي.

يقول رونين بيرجمان، الكاتب في مجلة نيويورك تايمز، من تل أبيب. وصاحب كتاب (انهض واقتل أولًا: التاريخ السري للاغتيالات المستهدفة في إسرائيل)، إن شبكة الكهرباء في غزة توقفت عن العمل في وقت مبكر من الحرب، تاركة المستشفيات والمخابز والملاجئ، وغيرها من المرافق الأساسية تعتمد على المولدات للحصول على الكهرباء، لكنها تواجه هذا الأسبوع خطرًا متزايدًا من نفاد الوقود.

وفي حين ارتفعت شحنات المساعدات في أبريل الماضي، والأيام الأولى من مايو قبل عملية رفح، فإن إسرائيل لا تسمح بدخول ما يكفي تقريبًا إلى غزة، لدرء المجاعة أو انهيار أنظمة الرعاية الصحية والصرف الصحي.. والآن، بعد أن فر عشرات الآلاف من المدنيين من رفح إلى مناطق ذات بنية تحتية معدومة، ونقص الوقود في مستشفيات غزة، تقول الأمم المتحدة وجماعات إغاثة، إن الوضع أصبح أكثر خطورة.

يحدث ذلك، بينما انقسم العالم الغربي والأمريكي إلى معسكرين، أولهما شعبي رافض للإبادة الجماعية التي تمارسها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، ومناصر للحق الفلسطيني في الحرية والحياة داخل دولته المستقلة.. وآخر رسمي، لا يرى فيما تفعله إسرائيل جرمًا، إلا بقدر ما تجره مجازر جيش الاحتلال من استهجان الشعوب في الغرب وأمريكا لحكامها، وما يتسبب فيه ذلك من قلاقل، تهدد السلم الاجتماعي في هذه الدول.. وما عدا ذلك، فمن حق إسرائيل ـ من وجهة نظر هؤلاء الحكام ـ الدفاع عن نفسها، بل القضاء على حماس والاستيلاء على قطاع غزة.

الولايات المتحدة حذرت من أن إسرائيل ستحقق انتصارًا استراتيجيًا لحماس، إذا نفذت خططًا لهجوم شامل على رفح، آخر معقل رئيسي للحركة في غزة.. وكان التحذير مدعومًا بتهديد جديد من الرئيس جو بايدن، يقول إنه سيوقف المزيد من المساعدات العسكرية الهجومية لإسرائيل، إذا استمرت العملية في مدينة يحتمي فيها أكثر من مليون ونصف المليون مدنيًا، وأوقف بايدن شحنة من القنابل الكبيرة إلى إسرائيل، بسبب مخاوف من أن تكون الأسلحة من النوع الذي تسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين في غزة.

ومن شبه المؤكد أنه سيحدث المزيد من هذا الضرر إذا شنت إسرائيل هجومًا كبيرًا في رفح.. وتحدث عن إمكانية تعليق شحنات مستقبلية من معدات توجيه القنابل والمدفعية إلى إسرائيل، على أمل أن يؤدي التهديد إلى تراجع إسرائيل عن عملية في المدينة.. وهذه التصريحات جزء من حملة أخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وحكومته اليمينية المتطرفة، لإعادة التفكير في التزاماتهما العلنية بغزو المدينة، في محاولة للقضاء على حماس.. وتعتقد الولايات المتحدة أن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين وتفاقم الأزمة الإنسانية الرهيبة بالفعل في غزة.

ومع أن بايدن قال (لقد أوضحت أنه إذا ذهبوا إلى رفح ـ لم يذهبوا إلى رفح بعد ـ  فأنا لن أورد الأسلحة التي استخدمت تاريخيًا للتعامل مع المدن، لاستخدامها في رفح.. نحن لا نبتعد عن أمن إسرائيل.. نحن نبتعد عن قدرة إسرائيل على شن حرب في تلك المناطق).. إلا أن قراره أثار توبيخًا حادًا من رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، الجمهوري من لوس أنجلوس، وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، من كنتاكي، الذين قالوا إنهم علموا فقط عن التأخير من التقارير الصحفية.

على الرغم من تأكيدات إدارة بايدن بأنه لم يكن هناك مثل هذا التوقف قيد التنفيذ. ودعا الجمهوريون بايدن في رسالة إلى إنهاء الحصار بسرعة، قائلين إنه (يخاطر بتشجيع أعداء إسرائيل).

واجه بايدن ضغوطًا من البعض في اليسار، وإدانة من النقاد في اليمين، الذين يقولون إن بايدن خفف من دعمه لحليف أساسي في الشرق الأوسط.. (الشعب الأمريكي يدعم إسرائيل بأغلبية ساحقة)، قال السيناتور عن ولاية ساوث داكوتا، جون ثون، الجمهوري الذي دفع بقرار يدين قرار بايدن.. وهم يعتقدون أيضًا أن (إسرائيل بحاجة إلى القيام بما هو ضروري، وإذا كان ذلك يشمل الذهاب إلى رفح لاجتثاث تهديد حماس، فهذا ضروري لبقائهم على قيد الحياة).

وانتقد الرئيس السابق، دونالد ترامب، بايدن أيضًا، قائلًا إن (ما يفعله بايدن فيما يتعلق بإسرائيل أمر مشين)، وأضاف المرشح الرئاسي المفترض للحزب الجمهوري (إذا صوت أي شخص يهودي لصالح جو بايدن، فيجب أن يخجل من نفسه.. لقد تخلى تمامًا عن إسرائيل).

أصبح بايدن أكثر انتقادًا لسلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الحرب وقال إن الولايات المتحدة لن تزود إسرائيل بأسلحة هجومية إذا غزت إسرائيل رفح.. ربما لغسل يديه من عار الإبادة الجماعية ومجزرة الشهداء الفلسطينيين في قطاع غزة، والدمار الذي أنهى وجود القطاع.. وردًا على ذلك، أصبح بعض المانحين والأصوات المؤثرة المؤيدة لإسرائيل أكثر انتقادًا.

(لم يكن هناك رئيس أكثر تأييدًا لإسرائيل من جو بايدن، لكننا في الوقت نفسه قلقون للغاية بشأن ما يبدو أنه تحول كبير في السياسة الأمريكية.. هناك الكثير من الناس في المجتمع المؤيد لإسرائيل، قلقون للغاية ومستاءون جدًا وغاضبون جدًا.. لا نعرف ما هي العواقب السياسية.. دعونا لا ننسى أن هناك ناخبين يهودا، يهتمون بإسرائيل، أكثر من الناخبين المسلمين الذين يهتمون بحماس).
على نفس مسار نواب الكونجرس والمانحين لحملة بايدن الانتخابية، سار وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، الذي وصف وقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل بأنه (ليس مسارًا حكيمًا، ولن يؤدي إلا إلى تقوية حماس)، وذلك ردًا على سؤال، حول ما إذا كانت المملكة المتحدة ستتبع الولايات المتحدة، في التهديد بقطع إمدادات الأسلحة الهجومية إلى إسرائيل إذا نفذت هجومًا على مدينة رفح، مع أن حزب العمال البريطاني المعارض، وجماعات حقوق الإنسان تطالب بأنه يجب على المملكة المتحدة أن تتبع موقفًا مماثلًا، وتوقف بيع الأسلحة أو المكونات البريطانية الصنع لإسرائيل في هجوم رفح.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.